رحلة بين حضارتي وتاريخي ومجتمعي سلطنة عمان والبرتغال .. عرض لكتاب “بين قلعتين” بقلم سجا العبدلي

رحلة بين حضارتي وتاريخي ومجتمعي سلطنة عمان والبرتغال .. عرض لكتاب “بين قلعتين” بقلم سجا العبدلي

تراث عماني

  بيروت- سجا العبدلي         سجا العبدلي

” بين قلعتين ” كتاب توثيقي مصور- صدر حديثاً عن الدار العربية للعلوم ناشرون – سجل فيه الكاتب الكويتي صالح تقي مشاهداته من زيارته لعٌمان والبرتغال، متغلغلاً في تفاصيل مدنها وتاريخها وبعض من عادات شعوبها. ولاختياره الكتابة عن هاتين الدولتين سبب جوهري لم يأت من فراغ فعن هذا الرابط يقول الكاتب ” علاقة عٌمان بالبرتغال تبدأ عندما هاجم الأسطول البرتغالي السلطنة العٌمانية في القرن السادس عشر واحتلوا عٌمان وأقاموا القلاع على شواطئ مسقط لكن بعدها تضافر العٌمانيون وبملحمة وطنية تم طرد البرتغاليين وبملاحقتهم شرقاً حتى الهند وغرباً حتى شرق أفريقيا، وبعد مرور هذه القرون الطويلة ذهبت مع كاميرتي لأوثق الحياة والقلاع في كلا البلدين في زمن أتمنى أن يكون بداية لحوار الحضارات وليس لتصادم الحضارات” .

بدايتها مسك والصغير والكبير يرحب بكم في عٌمان

عن مسقط وبيوتها الناصعة البياض وشوارعها النظيفة ، وترحاب أهلها بالضيف، وكرمهم والشعب الذي وصفه بصلابه قلاعه الشامخة كتب، ومنها بدأت رحلته. بداية الرحلة كانت من العاصمة مسقط، حيث يأخذنا برحلة إلى قلاعها الشامخة، وبوابة مسقط، وساحة قصر العلم، وقلعة الميراني ومنها إلى سور اللواتية ومنه إلى سوق العاصمة الشهير الساحر بكل تفاصيله ” سوق مطرح” وهو من الأماكن التي أدهشت الكاتب إضافة إلى القلاع التي تميزت بها المدينة.

  الصور التي وثقت الزي العماني، الأسماك، البخور، الفضة، ثمرة جوز الهند العمانية، قلاع عٌمان الشامخة، ترحاب أهلها بالضيف وغيرها ربما لم تفي عٌمان التي وصفها ببلد التسامح والأمان ومقصد لكل السياح حقها، لكنها استطاعت أن تنقل القارئ إلى مشاهد جميلة اشتهرت بها البلاد لتحكي بذلك حكايا ظلت راسخة في أذهان الكثير وفي طيات العديد من كٌتب التاريخ و أدب الرحلات. يستشهد الكاتب بما قاله أبن بطوطة عن السمك العماني حيث اعتبره من ألذ ما أكل من أسماك وهو يوافقه الرأي. فالطعام هو لا شك جزء من إرث الدول وهويتها، وعن الزي العماني يقول : انه انتشر في الهند وافريقيا ولم يتأثر بالغزو البرتغالي.

 العُمانيون رواد الملاحة البحرية

 وعن البحر والملاحة في عٌمان يقول ” عندما يسأل أهل الخبرة البحرية عن مهارة أهل عٌمان فالجواب حدّث ولا حرج، نعم وبدون أي حرج ومبالغة، وأطلق العنان لمخيّلتك وابتعد كثيراً واعبر البحار والمحيطات والقارات. العٌمانيون رواد الملاحة البحرية منذ القدم، وموانئ العالم تشهد من نيويورك إلى الصين وسنغافورة ” ويضيف عائداً بالتاريخ إلى ما قبل الميلاد مستشهداً بالسجلات المسمارية لحضارة ما بين النهرين بالقول ” السفن العٌمانية مذكورة قبل الميلاد في السجلات المسمارية لحضارة ما بين النهرين، فالسومريون يسمّونها بمجان حيث تصدّر النحاس وربطوا هذه الحضارة العريقة بالهند، فنقلوا البضائع والعلوم من وإلى موانئ عٌمان. وعن السفينة “سُلطانة” التي تعتبر من مهارات وإنجازات البحرية العمانية يؤكد على أنها أول سفينة عربية تصل إلى ميناء نيويورك في 13 أبريل 1840، وذلك في عهد السلطان سعيد بن سلطان. وهي التي أصدر البنك المركزي عملة تحمل صورتها بمناسبة العيد الوطني السادس والعشرون عام 1996 للسلطنة.

 نزوى مدينة العلم والتاريخ

 ومع ” نزوى ” وقلعتها الشهيرة كان لصالح تقي موعد لم يستطع إلا تلبيته. يقول ” انطلقنا من مسقط في طريق مريح تظلله الجبال التي لم تفارقنا طوال الطريق. وقلت لمرافقي العٌماني أننا في الكويت نفتقد الجبال ومنظرها الجميل، حيث قال لو كان بالإمكان لأعطيناك جبلاً، وفعلاً لو كان بالإمكان لفعلها، فأهل عٌمان مشهورون بالطيبة و الكرم. وما أن وصلت للقلعة الشهيرة التي بجابنها مسجد السلطان قابوس وسوق نزوى للحرف حتى دخلتها وقد حرستها المدافع عند المدخل، وشاع استخدام هذه المدافع في فترة الاحتلال البرتغالي ويوجد منها صناعة برتغالية وعمانية وانجليزية بقواعد خشبية”

 وهناك حدثنا عن هذه القلعة و وموقعها الذي يتوسط القرى و ما اشتهرت به من مخازن التمور وغيره الكثير. وهي التي كانت ” مدرسة دينية ومكان إقامة وعمل للإمام اليعربي ومنها قاد أمور البلاد واستقبل ضيوفه ووفوده الرسمية ” ولم تغفل عدسته تصوير فناء قلعتها وأدق تفاصيلها وأبوابها والمدافع التي تحرس المدخل والجرار الفخارية التي لا تزال تباع في أسواق نزوى التراثية، وغابات نخيلها التي تشغل مساحة كبيرة من أرض المدينة.

هذه الزيارة التي يبدو أنها أثرت كثيراً في الكاتب لدرجة دفعه فضوله لمعرفة السبب الذي جعل أعتى الامبراطوريات آنذاك لتأتي من أقصى الأرض الى عٌمان . ومن عٌمان قرر أن يشد رحاله إلى البرتغال.

 لشبونة مدينة الألوان والتسامح

بلمحة تاريخية بسيطة عن بداية تأسيس البرتغال بدأ وكيف استفاد البرتغاليون من الإرث الذي تركه المسلمون في علم الفلك و الملاحة بشكل خاص والتي كانت النواة التي ارتكزت عليها الإمبراطورية البرتغالية آنذاك. الزيارة التي وصفها بالودية بدأ بتوثيقها فور اقتراب الطائرة التي تقله من أرض البرتغال حيث كان ميناء لشبونه وهو أكبر وأهم موانئ أوروبا والعالم و نهر التانغو أول ما لفت انتباهه. المدينة التي بنيت على التلال واشتهرت بكثيرة أدراجها، تتميز بطرازها المعماري الأثري القديم وأشجار النخيل العربية التي لا تزال تشهد على الارث العربي فيها تتميز بألوانها الزاهية بدءاً من مبانيها وصولاً إلى الترام الذي ينقل زوار وأبناء المدينة. من ساحة روسي بدأت جولته في المدينة والتي تعتبر من الساحات الرئيسية في المدينة إضافة إلى ساحة التجار وهي من أكبر ساحات المدن الأوروبية. ولم ينسى التقاط الكثير من الصور التي تلتصق بذاكرة المدينة، فصورة لعسكري بزيه العسكري، وصور للباعة الذين يعرضون بضاعتهم أيام السبت والأحد بجانب الساحة، وفطائر ” دي ناتا” وهي الحلوة الشعبية التي تشتهر بها البرتغال . والبرسلان التذكار الذي لا بد من الحصول عليه من قبل السياح لاشتهار المدينة بصناعته. وايضاً القسم الحديث من لشبونة منطقة “باسكو دي غاما” التي بنيت عام 1998 بمناسبة مرور 500 سنة على اكتشاف طريق الهند البحري.

 بيلم مدينة التراث والتاريخ البحري

 وعندما قرر صالح تقي البحث عن التراث والتاريخ البحري للبرتغال ذهب الى بيلم هذه المدينة التاريخية المطلة على مصب المحيط الأطلسي وهي التي يُعتقد أنها سٌميت تيمناً بمدينة بيت لحم الفلسطينية مسقط ولادة المسيح عليه السلام. ومنها أنطلق الرحالة والملوك كل إلى وجهته منهم من ذهب في طريق الاستكشاف ومنهم من ذهب هرباً من الاحتلال الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت. وتعتبر صومعة أو برج بيليم من أهم معالم المدينة فهي في قدمها شهدت على الكثير من الأحداث التي مرت بها البرتغال وهي بتفاصيلها بناءها الدقيقة تشبه قطعة من الأحجار الكريمة فلونها العاجي وتربعها في أحضان النهر ساهم في إعطائها هذه الهالة من الجمال والهيبة التي تستحقها بجدارة.
وفي وقت الاستراحة وحين قرر الكاتب تذوق حلوة المدينة الشهيرة لم يستطع إلا أن يتذكر عٌمان فيقول ” تبدو المنافسة بين البرتغال وعٌمان ليست بين القلاع والسفن فقط، بل أيضا على صعيد الحلوى، فدائما في مسقط أفضل وقت للراحة يكون مع القهوة العربية والحلوى العٌمانية الشهيرة. ” عدسة الكاتب ذهبت ايضاً إلى ” دير جيرونموس” وفيه كان البحارة يقيمون الصلاة قبل وبعد رحلاتهم الخطرة .
رحلة الكاتب في البرتغال كانت طويلة وختامها في شارع لشبونه ولم يفته في هذه الزيارة تذكر شاعرها الشهير فرناندو بياسو والذي يشغل تماثله في المكان الذي طالما أحبه وهو المقهى الذي كان يرتاده دائماً.

 أهل عٌمان والبرتغال أسياد البحار

 في ختام هاتين الزيارتين خلٌص الكاتب إلى نتيجة مفادها ” أن أهل عٌمان والبرتغال يعتبران بالفعل من أسياد البحار سواء بصنع السفن أو الملاحة، فكلاهما مخرت سفته عباب المحيطات وكانوا همزة وصل تجارية لا يزال صدى نجاحها يٌسمع بين أمواج البحر”
زيارة صالح تقي لكل من مسقط والبرتغال وثقت بالصور، فالكاميرا كانت رفيقته في هذه الرحلة، فامتلأ الكتاب بصور عن رحلته وترك الصورة تحكي اكثر عن نفسها ، مع شرح عن كل صورة من هذه الصور. ومما لا شك فيه أن المطلع على هذا الاصدار لا بد أن يحمله شوقه وفضوله يوما ً لزيارة عٌمان والبرتغال ليلمس بنفسه تفاصيل عبق التاريخ والجمال الآسر لهذه المدن.

المصدر: صحيفة أثير العمانية  http://www.atheer.om/News/8859

 

اترك تعليقاً