في الذكرى 43 لاستشهاد غسان كنفاني
ماذا لو كان غسان كنفاني حياً..!
بقلم أنور الخطيب
في مثل هذا اليوم، قبل ثلاثة وأربعين عاما، أقدم الموساد الإسرائيلي على قتل الكاتب والفنان والسياسي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، وكانت معه ابنة أخته التي كانت تحتل مساحة خاصة في قلبه. فخّخ الموساد سيارته بكمية كبيرة من المتفجرات، ليضمن تطاير جسده في أنحاء “الحازمية” جميعها، ويستشهد غريبا عن فلسطين، الوطن الذي غطاه حلمه من البحر إلى النهر، وغطته كتاباته بهواجسه التي ما زلنا نهجس به حتى يومنا هذا.
ولد غسان كنفاني في العام 1936 واستشهد بعد 36 عاما، وهي مفارقة زمنية يمكن التوقف عندها وتأملها مليا. ففي العام 1936 انطلقت ثورة كبرى في فلسطين ضد الانتداب البريطاني والعصابات اليهودية، وعام 1972 كانت المقاومة الفلسطينية في أوجها، وكان غسان أحد أركانها المهمين.
غسان لم يكن روائيا أو كات قصص قصيرة فحسب، كان كاتبا مسرحيا وإذاعيا ومترجماً ورساماً وإعلامياً وكاتباً سياسياً بامتياز. وهنا نقذف في وجه الذين يطالبون بالتخصص، كرة الإبداع الشاملة، ونقول لهم، إن من يحمل قضية كبرى ومقدسة على ظهره كقضية فلسطين سيلجأ إلى أدوات واشكال التعبير كافةً، ليوصل صوته الروائي والقصصي والمسرحي والشعري والتشكيلي والنقدي، ومن العيب الكبير أن يتفوّه أحدهم بوصف هذه الحالة بجملة دارجة (بتاع كله)، فهنالك نار تتأجج داخل المبدع، فلسطينيا كان أو عربيا أو عالميا، يحيلها إلى كلمات ولوحات ومسرحيات ومشاهد تمثيلية، ويشكلها منحوتات أو أي شكل من أشكال الإبداع، وإن استطاع أن يرسم على الهواء فلن يتأخر.
غسان كنفاني كان يؤمن بوحدة فلسطين التاريخية، ولم يخطر على باله أبداً أن تكون خاتمة النضال دويلة مقسمة مقطعة لا يربط بين قسميها شارع مستقل ومحرر، دويلة منزوعة السلاح، مشاعاً للجنود الصهاينة، يعيثون فيها فساداً في أي لحظة يشاؤون. دويلة يتناحر فيها رفاق السلاح وأصحاب وأبناء الوطن الواحد، دويلة مسمّمة بالمحسوبيات والشلليات والشخصانيات، دويلة فيها الكثير من الفساد السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي إلى نهاية المجالات والقوائم. دويلة مع وقف التنفيذ، فهي حتى الآن لم تصل إلى مرحلة الحكم الذاتي، ولم تحقق أي معنى من معاني السيادة.
انتبه غسان كنفاني منذ البداية لهواجس المواطنة، فعالجها في روايته “عائد إلى حيفا”، وطرح سؤالا كبيراً حين عادت الأم لتجد ابنها الذي نسيته في فلسطين وقد تربى في كنف أسرة يهودية، وأصبح ضابطاً في (جيش الدفاع الإسرائيلي)، محور جدلي يستحق التوقف عنده أدبياً وسياسيا واجتماعياً. كما تنبه غسان منذ أكثر من 45 عاماً لقضية القيود المفروضة على الفلسطيني في رواية (رجال في الشمس)، ووصف معاناة الفلسطيني مع الحدود العربية، وكان عليه أن يحشر نفسه في باطن صهريج فارغ تحت شمس حارقة ليجتاز الحدود للعمل، لكن ميوعة رجال الحدود ورعونتهم أخروا سائق الصهريج، الذي عاد ليجد المحشورين في الخزان قد قضوا اختناقا مم شدة الحر، فأطلق صرخته الشهيرة: (لماذا لم تدقوا جدار الخزان)، وهذه الجملة تحرض على ثورة كاملة في وجه الحدود ورجالها والحكومات.
كتابات كثيرة تناولت حياة غسان وإبداعاته، فهو يعتبر من المؤسسين لأدب المقاومة، رسخه في رواياته وقصصه ومسرحياته ورسوماته، وعزّز اسسه بمقولات خالدة، واساليب تعتبر ابتكارية في زمنه.
ترى ماذا لو كان غسان كنفاني حياً حتى الآن؟ هل كان سيتلون كتلوّن المراحل والقيادات والدول؟ أم أنه سيطلق صرخته: (لماذا لا تدقوا جدار الخزان)، أم أنه سينتحر؟ أغلب الظن أن مصيره كان سيكون مثل ناجي العلي. وقد كان مصيره كذلك قبل 43 عاما. لقد تنبّه الموساد لصوت غسان وقدراته ومشاريعه منذ أربعة عقود، فاغتالوه، وكأنهم اغتالوا كتيبة دبابات أو مؤسسة ثقافية كاملة كما قالت غولدا مائير، رئيسة وزراء العدو بعد استشهاده.
من أقوال غسان كنفاني
- إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية.
- الحياة ليست نصرا، الحياة مهادنة مع الموت.
- إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت، إنها قضية الباقين.
- إن الخيانة في حد ذاتها ميتة حقيرة.
- أموت وسلاحي بيدي، لا أن أحيا وسلاحي بيد عدوي.
- الغزلان تحب أن تموت عند أهلها، الصقور لا يهمها أين تموت.
- لقد حاولت منذ البدء أن أستبدل الوطن بالعمل ، ثم بالعائلة ، ثم بالكلمة، ثم بالعنف، ثم بالمرأة ، وكان دائما يعوزني الانتساب الحقيقي. ذلك أن الانتساب الذي يهتف بنا حين نصحو في الصباح: لك شيء في هذا العالم فقم.أعرفته؟ وكان الاحتيال يتهاوى ، فقد كنت أريد أرضا ثابتة أقف فوقها ، ونحن نستطيع أن نخدع كل شيء ما عدا أقدامنا ، إننا لا نستطيع أن نقنعها بالوقوف على رقائق جليد هشة معلقة بالهواء (من رسائله إلى غادة السمان)
كتابات غسان
- موت سرير رقم 12– بيروت، 1961. قصص قصيرة.
- أرض البرتقال الحزين – بيروت، 1963. قصص قصيرة.
- رجال في الشمس – بيروت،1963. رواية. قصة فيلم “المخدوعين”.
- أم سعد – بيروت، 1969. رواية.
- عائد إلى حيفا – بيروت، 1970. رواية.
- الشيء الآخر – صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980. قصص قصيرة.
- العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
- القنديل الصغير-بيروت.
- القبعة والنبي. مسرحية.
- القميص المسروق وقصص أخرى. قصص قصيرة.
- جسر إلى الأبد. تمثيلية إذاعية.
- ما تبقى لكم .. رواية
- الباب (مسرحية) القبعة والنبي/
رحم الله الشهيد غسان كنفاني