القتلُ المُمَسْرَحْ

القتلُ المُمَسْرَحْ

مسرح الإعدام

القتل الممسرح

أنور الخطيب

مسرح قديم في مدينة تدمر التاريخية السورية، جنود يصطفون برعب وذل وانكسار، فتيان صغار يتقدمون بحركة استعراضية ويأخذون أماكنهم خلف الجنود، الفتيان يطلقون الرصاص على رؤوس الجنود من الخلف، وجمهور يتفرّج.

رجال ملثمون بالسواد يصطفون على شاطىء البحر الجميل، ثم يجرّون رجالا آخرين يرتدون ملابس حمراء بلون الدم، يذبحونهم، والموج يتفرّج.

إعدام على شاطئ البحر

مسرح عريق، وشاطئ بحر جميل، مكانان يصبحان مسرحين للقتل، وأمام أحدهما جمهور يتفرّج، منهم من حضر طواعية ومنهم من أُجبر على الحضور، لكن في النهاية هناك جمهور.

الإرهابيون يمسرحون القتل إلى درجة تمزج فيها التمثيل بالحقيقة، والحياة بالموت، ويقدمون مشهدا تم إخراجه بإتقان إلى درجة يجعلونك تتقبله. فهو لا يتم وسط صيحات وصراخ وإنما بهدوء وحركات مدروسة، لا تجعلك تقشعر من المشهد، وإنما تتابعه كأنك تتابع فيلما سينمائيا، لك أن تغض بصرك في لحظة شديدة الألم، ثم تعود لتتابع.

بين فترة وأخرى يقدم لنا هؤلاء القتلة مشاهد مسرحية أو سينمائية لعمليات قتل أو حرق أو ذبح لأسباب تكون في معظمها واهية؛ كحرق نساء وأطفال رفضوا دفع الجزية، أو قتل شباب بتهمة التدخين أو تناول الخمر، أو قتل مجموعة من الناس كانوا يوالون النظام، وغيرها من عمليات التخلص من البشر دون محاكمات واضحة ولا حيثيات أحكام. ولا شك أنهم يأخذون بالأحكام الثقيلة المغلظة، كما فعلوا مع شابين اتهموهما بالشذوذ، حيث ألقوا بهما من فوق سطح البناية.

ولا نريد الخوض في جدل حول تعامل الدين مع المثليين أو رافضي دفع الجزية أو شروط الدين لإثبات واقعة الزنا، وغيرها، ولكن ما يهمنا هنا هو الحرص على أن تظهر عمليات القتل ممسرحة إلى درجة تجعل المشاهد يتقبلها وإن على مضض، خاصة الصور أو الأفلام المتصرّف بها، وإن لم يشاهدها المتابعون خلال نشرات الأخبار، فإنهم يبحثون عنها في موقع (يوتيوب)، ويشاهدونها، ويفضلون مشاهدة نسخة لم تمر على الرقيب، أي نسخة حية وواضحة لعملية القتل. وهذا ما لمسته عندما تم حرق الطيار الأردني الكساسبة، كان الناس يتسابقون في إرشاد بعضهم البعض على مواقع تظهر عملية الحرق كاملة، مع إبداء الإعجاب بطريقة التصوير وزوايا التقاط المشهد.

الكساسبة

إن الكارثة الأكبر تكمن في التحليلات التي تعقب المشاهدة، حيث يتوصل البعض إلى أن المشهد غير حقيقي، وتنشر بعض الجهات في اليوم التالي تقريرا تبرهن فيه على فبركة الفيلم، وهذا ما يحول دون تكوين موقف مضاد وواضح تجاه تلك العمليات من القتل الممسرح. وقد شكك الناس حتى الآن بعملية حرق الطيار، كما شككوا بعمليات ذبح الرهائن الأجانب، وقالوا إن العمليات تحدث في استوديو وليس في الصحراء.

(يوتيوب) لا يحذف هذه الأفلام، ولا يحذف حسابات القتلة، لأن الموقع لاحظ حجم التردد عليها، ومتابعتها من قبل عشرات الآلاف. وفيديو عملية الإعدام التي تمت على مسرح تدمر حقّق 41 ألف مشاهدة خلال 14 ساعة، ولا أستغرب من هذا أبداً، فهناك جيل اعتاد على أفلام الرعب والعنف والقتل، وهناك محطات عربية تخصصت في تقديم أفلام الرعب، وهذه محطات تدّعي انتماءها للإسلام! وبالتالي، قد يجدون أن أفلام (داعش) أو (النصرة) خفيفة ومسلية مقابل مشاهد القتل التي يتابعونها في الأفلام.

لم يأت شيء من فراغ، المتطرفون القتلة، أو المتفرجون أو المتابعون الرقميون، لم يتشكّل حب القتل أو حب التفرج على القتل بين ليلة وضحاها، إنه التراكم، تراكم الشحن الطائفي، تراكم مشاهد العنف والدراما المنحطة، وتراكم غياب حرية التعبير، وتراكم الفساد، كله أدى إلى هذا الفنتازيا التي نراها: جمهور يصفق لعملية إعدام يقوم بها أطفال على مسرح عريق.

 

اترك تعليقاً