الماء ثم الماء ثم الماء .. شعر مهدي منصور

الماء ثم الماء ثم الماء .. شعر مهدي منصور

     الماء ثم الماء ثم الماء                                       

مهدي منصور

مهدي منصور

 

 -1-

الماءُ وَهْوَ يَسيرُ

في وِجْدانِهِ الأَطْفالُ وَالشُّعَراءْ

وَنَواةُ أَلْفِ قَصيدَةٍ لَمْ تَكْتَمِلْ

يَهْمي لِيُخْبِرَ أُمَّنا في الأَرْضِ أَسْرارَ الرُّجولَةِ

فَهْوَ قَبْلَ تَكَوُّنِ المَكْنونِ كانَ

وَقَبْلَ “كُنْ”…

ذَكَرُ الطَّبيعَةِ في اكْتِمالِ شَبابِهِ يَكْتَظُّ فيهِ دُخانُ شَهْوَتِهِ

فَيَحْمِلُهُ بِساطُ الغَيْمِ

يَرْقُصُ

يَغْمِزُ الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ بِالظِّلالِ

بِمُقْلَةٍ مِنْ غَيْمَتَيْنِ وَضَوْءِ شَمْسٍ

يَشْتَهيها…

تَشْتَهيهِ…

يَشْتَري في الغَيْمِ أَشْكالاً تُلَبّي…

يَرْفَعُ الزّيناتِ قَوْسًا عَرْضُهُ خَصْرُ الظِّلالِ “مُقَوْزَحًا” بِالحُبِّ

يُحْضِرُ فِرْقَةً لِلرَّقْصِ مِنْ وَرَقِ الخَريفِ وَنَسْمَتَيْنِ…

تُجَنُّ فيهِ أُنوثَةُ الأَشْجارِ وَالأَرْضُ اليَبابُ

فَحَيْثُما حَلَّتْ أَغانيهِ تَحِنَّ لَهُ

يُزَفَّ العاشِقانِ وَتَحْدُثِ الأَشْياءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ…

     -2-

الأَرْضُ أُنْثى…

نَبْضُها وَجْهُ الحياةِ…

وَوَجْهُها نَبْضُ الحَياءِ…

تُحِبُّ زَهْوَ الماءِ مُقْتَدِرًا عَلَيْها…

راغِبًا لَوْ يَرْتَمي مِنْ أَجْلِها مِنْ فَوْقِ سَطْح الغَيْمِ…

تَقْبَلُهُ…

تُقَبِّلُهُ…

لِيَقْتَرِفا قِرانًا في تُرابِ المَخْدَعِ الزَّوْجِيِّ…

يَبْتَكِرانِ شَكْلاً لِلْغُصونِ…

وَنَوْعَ عِطْرِ الوَرْدِ هذا العامَ…

يَشْتَرِكانِ في تَرْكيبِ أَلْوانِ الزُّهورِ لِكُلِّ فَصْلٍ في تَفاصيلِ الرَّبيعِ المَوْسِمِيِّ…

وَبَعْدُ…

يَنْطَفِئُ المُذَكَّرُ في عُروقِ الماءِ…

تَبْرُدُ رَغْبَةُ الأَرْضِ المُضيئَةُ…

يَضْجَرانِ

يُفَكِّرُ الماءُ المُسافِرُ كَيْفَ صارَ سَريرُهُ لَحْدًا لِرِحْلَتِهِ…

فَيَذْرِفُ ماءَ عَيْنَيْهِ وَيَنْدَمُ…

كَيْفَ هاجَرَ, كَيْ يُبَرِّدَ نارَ صَدْرِ الأَرْضِ, مَمْلَكَةَ السَّماءْ؟!

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

-3-

“لا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ إِذًا”

لِيَعودَ ثانِيَةً إِلى الأَصْلِ المُقَدَّسِ…

إِنْ جُلْجُلَةً بِحَجْمِ الأُفْقِ جاهِزَةٌ لِيَمْلَأَها مَسيحُ الماءْ

لا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ خَفيفٍ كَالْغِناءِ لِيَعْتَلي دَرْبًا يُحايِلُ بَيْنَ مُعْجِزَتَيْنِ:

واحِدَةٌ لِنوحٍ في زَمانِ الفَيْضِ مُتَّكِئًا عَلى كَتِفِ السَّفينَةِ وَحْدَهُ الرُّبّانُ…

لا مِجْذافَ غَيْرُ حَماسِهِ المَجْنونِ لِلطَّيَرانِ…

وَالأُخْرى انْتِقالٌ مِثْلُ غَيْضِ اللهِ قَبْلَ النَّفْخِ في روحِ الحَياةِ المَجْدَلِيَّةِ…

لَيْسَ مِنْ نَسْلِ النُّبَوَّةِ كَيْ يَصوغَ المُعْجِزاتِ…

وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الرَّعِيَّةِ كَيْ يَصونَ حَياتَهُ مِنْها…

وَيَمْسَحَ عَنْ شُكوكِ مَدارِهِ الأَهْواءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

 -4-

الماءُ آدَمُ…

رَنَّةُ الإِسْمَيْنِ واحِدَةٌ…

فَآدَمُ كُلَّ يَوْمٍ قَطْرَةُ الماءِ الضَّريرَةُ…

وَالمَدى حَوّاءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

-5-

الشَّهْوَةُ الحَمْراءُ تُفّاحُ الحَياةِ السَّرْمَدِيُّ…

فَهاتِ لي طِرْسًا لِأَكْتُبَ كُلَّ ما لَمْ تَذْكُرِ التَّوراةُ،

أَوْ تَوْراةَ تَصْلُحُ كُلَّ ثانِيَةٍ، تُقارِبُ قِصَّةَ التَّكْوينِ مِنْ بَيْنِ السُّطورِ

تَفُضُّ أَغْطِيَةَ المَعاني بِالتِقاط الوَهْجِ وَالإِبْهامِ وَالإيماءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

 -6-

الماءُ نَهْرًا

ماءُ أَرْضٍ لَمْ يُطِقْ فيها حَياةً…

لَمْ يَجِدْ دَرْبًا قَريبًا لِلسَّماءِ سِوى سَلالِمِ نَفْسِهِ أَنّى تَخِفُّ بِنَفْسِها…

شَدَّ الرِّحالَ،

وَطَلَّقَ الأَرْضَ انْبِلاجًا مِنْ عُروقِ الصَّخْرِ

مِنْ إِبْطِ الجِبالِ…

وَغاضَ عُمْرًا لا يَحِنُّ إِلى نِساءِ الأَرْضِ مُبْتَعِدًا عَنِ الأُنْثى وَمُقْتَرِبًا مِنَ التُّفّاحِ

مِنْ إيمانِهِ الأَزَلِيِّ أَنْ لا ماءَ فَوْقَ الأَرْضِ…

أَنَّ الماءَ لا يَرْتاحُ إِلاّ تَحْتَ هذي الأَرْضِ…

سافَرَ نَحْوَ رَغْبَتِهِ وَعادَ إِلى اشْتِهاءٍ فيهِ لِامْرَأَةٍ مُخادِعَةٍ…

لِيُبْحِرَ مَرَّةً أُخْرى

وَيَنْسى كُلَّ هَمِّ الأَرْضِ في طُرُقِ السَّماءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

-7-

“الأُمَّ ثُمَّ الأُمَّ ثُمَّ الأُمَّ”

قالَ المُصْطَفى وَمَضى…

وَكانَ يَقولُ سِرًّا… قَلِّبوا مِنْها الحُروفَ الآنَ كَيْ تَجِدوا أَباكُمْ في حُروفِ الماءْ

وَكَأَنْ يُوَصّي قَلْبُهُ الأَبْناءَ بِالآباءْ

الماءَ ثُمَّ الماءَ ثُمَّ الماءْ

 -8-

“الجَنَّةُ الخَضْراءُ تَحْتَ خُطى الأُمومَةِ”… فَاطْلُبوا مِنْها الرِّضا

زَفَّ النَّبِيُّ بَيانَهُ وَمَضى

وَكانَ يَقولُ إِنَّ الأُمَّ ماءٌ…

تَحْتَ جَنَّتِها حَنينُ الإِتِّساعِ لِقَطْرَةٍ عَذْراءَ

فَاغْتَسِلوا بِماءِ الحُبِّ…

وَانْتَعِشوا… تَوَضَّوْا…

بارِكوا بِالماءِ أَوُجُهَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَأَرْواحًا لَكُمْ قَبْلَ الصَّلاةِ

لِتَكْسِبوا ماءَ الرِّضا…

وَلْتَحْفَظوا مِنْ بَعْدِهِ الأَسْماءْ

الماءَ ثُمَّ الماءَ ثُمَّ الماءْ

 -9-

الماءُ رَسْمُ أَبيكَ في الآفاقِ…

في النَّفْسِ الصَّغيرَةِ حَيْثُ أَوْسَعُ مِنْ خَيالِكِ مَسْرَحُ النَّفْسِ الصَّغيرَةِ…

وَاسْتَحِلْ ماءً…

فَأَنْتَ مُسافِرٌ أَبْدًا بِرِحْلَةِ هذِهِ الأَضْواءِ وَالأَنْواءْ

الماءُ ثُمَّ الماءُ ثُمَّ الماءْ

(عن صحيفة أثير   http://www.atheer.om/Article/Index/11918

اترك تعليقاً