التطرف لم يأت من الفضاء
أنور الخطيب
الوطن في الإسلام.. بين الشريعة ومزاعم المتطرفين، كان اسم المحاضرة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية في أبوظبي مساء أمس (الثلاثاء)، وتحدث فيها د. حسن محمد المرزوقي، رئيس قسم الشريعة والدراسات الإسلامية لكلية القانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة، ود. نصر محمد عارف، مستشار وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.
وتمحور حديث د. المرزوقي حول فكرة أن حب الوطن فطري غريزي، وأن الخروج من الديار كخروج النفس من الجسد، مستشهدا ببعض القصص والأحاديث. أما حديث د. عارف فكان أكثر تشعباً وتحدث عن مفهوم الخلافة في الإسلام، ومعايير المواطنة. وقال أن السؤال عن الحديث عن مشروعية المواطنة هو سؤال عدمي، وأن أحكام الفقه تتغير وفق الجهات الأربع. وقال أن فكر المتطرفين لا تاريخي ولا جغرافي، وهو فكر يهيم في الفضاء، وأخذ على المثقفين انشغالهم بمناقشة محاور اقترحها المتطرفون، وكأننا بلا تاريخ ولا ثقافة ولا جغرافيا.
ويحسب لمركز الإمارات للدراسات والبحوث أنه اثار موضوع الوطن، وهو موضوع جدلي دينيا وفلسفيا واجتماعيا واقتصاديا، وتختلف المعتقدات والرؤى حوله، وقد أدلى كل محاضر بدلوه في الموضوع وفق رؤاه وقناعاته. لكن ما لم يتطرق إليه المحاضران أثاره النقاش، وهو ارتباط فكرة الوطن بالسياسة وبالدولة الحديثة.
إن مواجهة الفكرة المتطرف لا يكون عن طريق الاستهانة به والتقليل من قدره، فهذا الفكر لم يأت من الفضاء، وهؤلاء المتطرفون لا يهيمون ولا يتحدثون بالألغاز، وربما لا يختلقون أمورا كثيرة من بنات أفكارهم، فهم يستندون إلى السنة في بعض سلوكهم وأحكامهم، وإلى القرآن في بعضها الآخر، وإلى الأحاديث النبوية الشريفة في بعض الثالث، كما يستندون إلى قصص الصحابة وبعض المفسرين والأئمة وما اجتهدت به المذاهب، ولهذا، فإن مناقشتهم لا يكون بالاستهزاء من طروحاتهم، التي لا تنحصر في إعادة عصر العبودية والسبي والاتجار بالبشر وسبي النساء، وإنما في أمور فقهية أخرى. ومواجهتها يجب أن تكون مباشرة وعلمية وتتسم بالجرأة من زاويتين، الأولى أن ما يقومون به من أسلوب حياة، وما يقدمونه من فتاوى مأخوذ من (السلف الصالح)، كله أو بعضا منه. والثانية في المواجهة العلمية وتفنيد ما يقومون به. وقد تطرق د. نصر عارف إلى مبدأ مهم يتمثل في أن (أحكام الفقه تتغير وفق الجهات الأربع، وفق المكان والزمان والمجتمع)، بل إن د. عارف طرح فكرة لم يعمقها وهي أن من يرتكب كبيرة خارج حدود الدولة الإسلامية لا يحق لولي الأمر محاسبته، لأنه خارج مكان القوانين واالشريعة، ولا بد أنه كان يعني المسلم وهو خارج بلاد المسلمين. وهو طرح قابل للجدل الساخن، إذ أن المسلم أو المؤمن بشكل عام مسؤول عن سلوكه أمام أحكام دينه أينما كان، ولا يسقط عنهالعقاب، إن كان عقابا ذاتيا عن طريق محاسبة الذات، أو عقابا رسمياً.
مؤتمرات كثيرة عقدت بعد أن ذاع صيت (النصرة وداعش) وسلوكهما العنيف جدا، ولم تستطع هذه المؤتمرات مخاطبة الوقائع أو الممارسات ودحضها، وإنما اكتفى المؤتمرون بالمطالبة بنشر الوسطية وقيم التسامح والسلام، وغيرها من الكلمات المطاطة.
نحن في حاجة ماسة إلى تفنيد الممارسات العنيفة والفكر الذي يعتنقه المتطرفون والرد عليه، وليس الاستهزاء به أو إهماله، وعلى علماء الأمة أن يفندو لنا حدود إقامة الحد، كيف ومتى ولماذا؟ وقضية سبي النساء، وتكفير الأديان الأخرى، وأصحاب المذاهب الأخرى، وأن يزودونا بآيات قرآنية تضحض كلامهم. أما الهجوم الناعم ووصفهم بالوحوش، فهذا لا يزيدهم إلا توحشا، ويترك الباب مشرعا أمام الشباب للالتحاق بهم، لأن المعنيين بالتصدي لهذا الفكر لم يتصدوا له على الوجه الأكمل.
فكر المتطرفين لم يأت من الفضاء، لقد أتى من المدارس الدينية المنتشرة هنا وهناك، ومن مراكز تحفيظ القرآن، التي يقوم بالتدريس فيها متطرفون، ومن المناهج التربوية التي انتهبت مؤخرا أنها تضاعف التطرف، وأتى من أحاديي الفكر وضيقي الأفق ومنعدمي العاطفة والذكوريين الذين لا يعترفون بالمرأة كائنا وبشرا مثلهم، واي مواجهة مع هؤلاء المتطرفين يجب أن تمر بما ذكرنا.
شكرا لمركز الإمارات للدراسات والبحوث أن اثار هذا الموضوع، الذي يكتسب أهمية كبيرة، فالمتطرفين لا يعترفون بالأوطان، ويتقافزون من الشام والعراق إلى ليبيا ونيجيريا، ثم إلى تركمانستان والشيشان، ويستحق هذا الموضوع أن يطرح على نطاق أوسع وبشمولية أكبر….