الوثائق السعودية في ويكيليكس ..حقيقة أم خيال؟
ناصر أبو عون
باحث بمركز الدراسات والبحوث
Nasser_oon@yahoo.com
فاجأ موقع ويكيليكس العالم يوم (الجمعة 19/06/2015) بنشر نحو 61205 وثائق سرية خاصة بوزارة الخارجية السعودية، قال: (إنها مسربة من وثائق المؤسسات الدبلوماسية السعودية)، وتعهد الموقع بنشر أكثر من 500 ألف وثيقة في الأيام القادمة. ويبدو أن مؤسس موقع ويكليكس لنشر الفضائح والتسريبات لقادة دول العالم لن يستثني أحدًا عربيًا كان أم غيره. وبمطالعة الوثائق رأينا معظمها عمل روتيني للاتصالات الإدارية بين أجهزة الدولة السعودية وهذا طبيعي. ولكن ثمة معادلة صعبة تقودنا إلى السؤال معلّق وهو: لماذا انتظر ويكيليكس كل هذا الوقت حتى يفرج عن وثائقه؟ وما الارتباط بينها وبين ما يجري في المنطقة وسط سيل الأسئلة الجارف. ولذا نحاول هنا من وجهة نظر موضوعية قراءة القضية وما تناقلته وسائل الإعلام العربية والأجنبية بشأن هذه التسريبات لنضع قارئ “أثير” في قلب الحدث.
البيان الصحفي لويكيليكس
في المقدمة التمهيدية للوثائق السعودية المسرّبة قال موقع ويكليكس: (إنه سيتم الكشف عن تقارير داخلية خاصة بالحكومة السعودية ورسائل متبادلة بين السفارات السعودية حول العالم)، مردفًا أنها ستكشف “كيف حافظت المملكة على مكانتها كقوة عظمى في الشرق الأوسط من خلال الرشاوى واستقطاب أفراد ومؤسسات رئيسية”. وأوضح مؤسس الموقع، جوليان أسانج، في مؤتمر صحفي، أن هذه الوثائق تكشف الغطاء عن ما أسماه، “الديكتاتورية المتزايدة للنظام السعودي والذي أصبح خطرًا على نفسه وجيرانه في المنطقة”. وأضاف بيان صحفي نشره الموقع أنه “بصرف النظر عن سجل المملكة الشائن في مجال حقوق الإنسان، لا تزال المملكة الحليف الأول للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة البريطانية المتحدة في الشرق الأوسط، ويعود ذلك إلى امتلاكها أكبر احتياطي نفطي في العالم”.
الجدير بالذكر أنّ موقع “ويكيليكس” ذكر تحت عنوان “ويكيليكس ينشر الوثائق السعودية” بأن المملكة أصبحت أكبر مستورد للأسلحة في العالم، متفوقة على الصين والهند وبلدان اوروبا الغربية مجتمعة، مشيرًا إلى أن السعودية لعبت دورا رئيسيا في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويقول ويكيليكس بأن الوثائق التي بدأ بنشرها تشير تبين أيضا البيروقراطية والمركزية الشديدة التي كانت تدار بها المملكة العربية السعودية.
دوافع تسريب الوثائق
يأتي نشر الوثائق السعودية المسربة بالتزامن مع حدثين، أولهما: أن يوم الجمعة 19/06/2015 هو الذكرى السنوية الثالثة للجوء مؤسس موقع ويكيليكس إلى سفارة الإكوادور في لندن، طلبا للحماية بعد ملاحقته من قبل القضاء الأمريكي. وكشفت شركة غوغل بأنها أرغمت على تسليم المزيد من المعلومات إلى الولايات المتحدة من أجل المساعدة في محاكمة موظفي ويكيليكس بتهم التجسس ونشر برقيات دبلوماسية للولايات المتحدة.
كيف تمّ تسريب هذه الوثائق؟
إنّ السؤال المثير للجدل الذي يتبادر إلى أذهان الرأي العام العربي هو: كيف تمّ تسريب هذه الوثائق؟ وكيف وصلت إلى موقع ويكليكس؟ ورغبة في إزالة الغموض والشكوك أشارت ويكيليكس إلى (بيان أصدرته الرياض في مايو /أيار 2015 قالت فيه: (إنها تعرضت لهجوم واختراق لشبكات الكمبيوتر). وفي وقت لاحق أعلنت جماعة تصف نفسها باسم الجيش اليمني الإلكتروني مسؤوليتها عن هذا الهجوم.
الوصف الشكلي للوثائق
بتحليل الوثائق المنشورة اتضح أنها مجموعة رسائل تمّ تبادلها بالبريد الالكتروني بين دبلوماسيين سعوديين، وبعضها تقارير من هيئات حكومية أخرى تتضمن مناقشات عن موقف السعودية من القضايا الإقليمية وجهود للتأثير على وسائل الإعلام. وتحمل الوثائق في أعلاها شعارات وعناوين مثل “المملكة العربية السعودية” أو “وزارة الخارجية” حمل بعضها صفات “عاجل” أو “سري”. وحملت واحدة من هذه الوثائق المنشورة، على الأقل، عنوان السفارة السعودية في واشنطن. وبعض ما نشره ويكيليكس تقارير مصنفة ”سري للغاية” من مؤسسات سعودية بينها وزارة الداخلية والاستخبارات العامة.
ردود فعل الصحافة السعودية
بمتابعة كافة الصحف السعودية الصادرة داخل أو خارج المملكة اتضح أنّ جميعها تجاهلت موضوع تسريب الوثائق ولم تلتفت الصحف الكبرى والمقربة من الحكومة السعودية مثل “عكاظ” و”المدينة” و”اليوم” و”الشرق الأوسط”، و”الجزيرة”، إلى التسريبات التي بدأ موقع ويكيليكس نشرها يوم الجمعة الماضي.
بينما عثرنا على تغريدة على موقع تويتر للكاتب السعودي المقرب من دوائر الحكم في المملكة “جمال خاشقجي” قال فيها: (إن تسريبات موقع ويكليكس للخارجية السعودية محرجة محليا وخارجيا.ولكن جملتها تؤكد أن السياسة الخارجية السعودية تمضي في اتجاه صحيح متسق يخدم الوطن.”.
المضمون العام للوثائق
تتفق جميع الوثائق بأنها تحمل (حساسية خاصة) حيث تحتوي على معلومات جميعها يندرج تحت صفة (استخبارات) وتدور معظمها حول علاقة المملكة العربية السعودية بالعالم العربي، وتوضّح كيف تقدّم السفارات تحليلا لواقع الدول العربية بدون رتوشات بروتوكولية. وتتناول هذه الوثائق علاقة السعودية بدول العربية بوجه عام والزعماء العرب بوجه خاص، وتوضح رؤيتها للوضع العربي. وهناك عدد من المخاطبات السرية تناولت الأوضاع السياسية في العراق ولبنان وسوريا واليمن، إضافة الى مراقبة السعودية لتحركات إيران الإقليمية والمنافسة الكبيرة فيما بينهما. وأوضحت الوثائق أيضا أن القنصليات الخاصة بوزارة الخارجية السعودية، تقوم بإقراض المواطنين السعوديين المال في الخارج حيث يصبح المواطن مدان، ويسدد المال عند عودته للسعودية. وبمحاولة الاطلاع على مضامين غالبية الوثائق نراها ركزت حول موضوعات عديدة لكن كان أهمها القضايا التالية:
دعم الرياض لمشايخ في العراق اتهموا بالتحريض على العنف.
سعي الأمير نايف المبكر للتواصل مع بعض الأطراف الطائفية في العراق.
دعم الرياض للحركة الإسلامية في كردستان العراق.
تحكم الخارجية السعودية في وسائل الإعلام العربية.
سعي الرياض لحظر قناة العالم من القمر الصناعي عربسات ولاحقا محاولة إضعاف بث القناة الإيرانية.
ما مدى صحة الوثائق؟
جميع الصحف ووكالات الأنباء أكدت في تقاريرها أو تعليقاتها على خبر تسريب الوثائق السعودية بأنه لا توجد وسيلة مباشرة حتى الآن للتحقق من صحة هذه الوثائق، على الرغم من أن الموقع عرف بتاريخه الطويل في الحصول على تسريبات وثائق حكومية من بلدان أخرى وعلى نطاق واسع.
وقال وكالة “أسوشييتد برس”، أنها فحصت العديد من هذه الوثائق وهي نتاج عمل إداري روتيني، وهي وثائق مرسلة عبر الإيميل أو الفاكس، وإن المتحدث باسم ويكيليكس كريستن هرافنسن يقول إنه واثق من صحة هذه الوثائق. على الرغم من الوكالة لم تتمكن من التحقق من ذلك من مصدر مستقل. بينما دعت وزارة الخارجية السعودية مواطنيها في بيان إلى تجنب الدخول على أي موقع بغرض الحصول على وثائق أو معلومات مسربة قد تكون غير صحيحة بقصد الإضرار بأمن الوطن. ونشرت الوزارة عبر حسابها على «تويتر»، صباح السبت 20/06/2015، رسالة تقول فيها: «عزيزي المواطن_الواعي: تجنب الدخول إلى أي موقع بغرض الحصول على وثائق أو معلومات مسربة قد تكون غير صحيحة، بقصد الإضرار بأمن الوطن».وأضافت «عزيزي المواطن_الواعي: لا تنشر أي وثائق قد تكون مزورة تساعد أعداء الوطن في تحقيق غاياتهم».
لكن المثير للشكوك: أنّ البيان الذي نشرته وزارة الخارجية السعودية على حسابها على موقع تويتر لم ينف البيان صحة الوثائق.
ماذا ستفعل الرياض؟
قالت (جريدة الرأي اليوم): هناك رأيان حول وضع السعودية بعد التسريبات. رأي يقول بأن السعودية مثل الولايات المتحدة ستجد نفسها في موقف حرج أمام الكثير من دول العالم. ورأي يقول بأنها لن تجد حرجا. فمن جهة، تشتري صمت الكثير من الدول بالمساعدات المالية، ومن جهة أخرى لديها علاقات متوترة مع دول أخرى وهذا يريحها من تقديم اعتذارات.
أهم الوثائق المسربة:
تتضمن إحدى الوثائق المفرج عنها رسالة موجهة من وزير الخارجية السعودية السابق “سعود الفيصل” إلى الملك السعودي السابق “عبد الله بن عبدالعزيز” يبلغه فيها بأن السفارة السعودية في صنعاء أبلغته بحصولها على معلومات عن قيام الرئيس الجنوبي السابق “علي سالم البيض” بإجراء اتصالات سياسية مع إيران.
كشفت إحدى الوثائق التي تم إرسالها من الخارجية السعودية إلى سفارة المملكة في واشنطن، وقد حملت تعريف “سري وعاجل للغاية” تحذر من خلالها الخارجية من أن عشرات الطلاب السعوديين وعدد من الدول الخليجية الأخرى قد زاروا السفارة الإسرائيلية في واشنطن كجزء من البرنامج الدولي لإعداد القادة. وقالت الوثيقة ان الطلاب السعوديين استمعوا الى شرح من موظفي السفارة الإسرائيلية وطرحوا الأسئلة والتقطوا الصور التذكارية هناك. وطلبت الخارجية السعودية من سفارة المملكة في واشنطن بإعداد تقرير عاجل حول الأمر.
ومن مراسلات السفارة السعودية مع وزارة الخارجية في الرياض يكشف ويكيليكس عن وثائق مثيرة للاهتمام كالوثيقة الصادرة عن السفير السعودي في مصر، أحمد بن عبد العزيز قطان، وفيها يقول إن أمريكا ساومت الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في الدخول في حرب العراق مقابل التوريث والتفاهم بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر، لكن حسني مبارك رفض ذلك كما رفض قبلها التورط في الحرب في أفغانستان.
المصدر: صجيفة أثير – سلطنة عمان –
http://www.atheer.om/News/8771