انعكاس النار في جسدي
أنور الخطيب
قيل لي:
من أين أتيتَ بماء النهر
لتَنْقُشَ في الحجر الزهر
وقيل لي:
بماذا تحدثُ نبض النساء
ليرتعشن في الخفاء
كإناث المساء!
ضحكتُ ملء طيني وقلتْ:
أدْمَنَتْني قابلةُ الحقلِ
حين انزلقتُ من كأسها
فكرةً شائكةً وحرّضّتني: “كن ما تشاء..”،
فزحفتُ مثلَ هزيمة المعنى
لحفلة البكاء.
****
وقيل لي:
من أين تأتي بالبلاغة
تلك الـ تفيض بالشّغب؟
قلتْ: أرضَعَتْني مُعَلّقةٌ
تمرّدت، على ماء الذهب
صرتُ التجّهدَ في التوحّد
والتّمدّدَ في التردّد
والتداعياتِ في المداهمات
والخيمةَ في العتمة
والأطلالَ في الظلال
صرتُ مشكاةَ التعبْ
ينزّ من زيتها اللجوءُ
ومن نهنهاتها الضوءُ
من ثنائياتها التعب..
وَسْوسَتْ لي كلُّها:
“كن تجلياتِ من تحبْ
وإن شئت كن سُحُبَ الغضب..”.
انتبذتُ ركناً في اللغاتِ
سكبْتُني، قبل أن أنْسَكِب
وقبل أن تَحْرِقَني “حمالةُ الحطب”
***
وقيل لي:
أنت خارجٌ عن لغات القبيلةِ
قلتْ: لم أكن طيلة منفاي
حرفاً، مُشترى بشوكِ العطايا
وإنّي، كأيّ فَراشٍ تائهٍ
أداهم يقظتي،
أفكّ أسر توجّسي، أجثو؛
ناسكٌ أنكرته النوايا؛
بين قاتلٍ لي لم تلده أمُّه
وبين قاتلٍ لي في المرايا،
وحين نجوتُ إذ ألقيت شعري للمنايا
شدّني من خافقيّ نشيدٌ:
أنا انعكاسُ النار في جسدي
واختناقُ الورد في لغة الصبايا
نبيّ قلبي أنا ووحيٌ للخلايا..
أئِم نبضيَ كل صلاةٍ
وأدعو، كي تُعمّدَني الحَكايا،
لأقصَّ ما خبأته النجوم
في حلقات السبايا..
***
قيل لي:
أنت تلامس خطّ احمرار السماء
تشاكس حراسَ عرفٍ قديمٍ
يضرب طوقاً على مدن العقل والتجلياتِ
قلتْ: بيني وبين السماء نداءٌ
تجاوزَ الشكَّ في ارتباك الطين،
أطلقُ صوتيَ الطفل تتْبَعني،
قطعانُ عتمةٍ هائمةٍ على غوايةِ النازحين
تُنقذُني، في زورق المُرسلين
القادمين من وجع التراب
الذاهبين نحو جموعِ السراب
أنحتُ فوق صفحة الفجرِ آيةً للنساء
أغُذّ شهوتي نحو الظهيرة
حيث ذئبةٌ تشُقّ قميصي؛
ماءٌ يعانقُ ماءً
وامرأةٌ تحِلّ الظفيرةَ
قوطِعتُ:هل قلتَ الظهيرة؟
وماذا تفعل هامةٌ تذوب في ظلالها
تحت شمس الخطيئةِ
قلتْ: أحتسي عرقَ الوقوفِ في تاريخها
حيث العراقةُ تُطْعَنُ في أعراقِها
وتنتشي إذ يعتلي تاجُها
خرابَ القلوبِ الصغيرة.
***
قيل لي:
أنت التجرّدُ في انتصابِ الوقتِ
في تجلّيات الرَّتق
أنت احتراقُ الكلام في سَكْرةِ العتقِ
قلتْ: أحاول أن أتألق..
أبني البلادَ البعيدةَ لابني
في ركام الروحِ،
ألوّن قبةَ القلب بألوان الضباب
حتى إذا قال حفيدي بعد موتي:
لا أرى بيتاً،
ولا أرجوحةً،
لا بئرَ ماءٍ يهطِل من رئتيه الشتاء،
قلتُ من خلف الغياب:
لم تبزُغِ الشّمسُ يا حبيبي
لم يرجعِ الأحبابْ..
(مارس 2015)