بين الوقت والمرآة شعر أنور الأسمر

بين الوقت والمرآة

شعر أنور  الأسمر        424527_547530048626215_675708544_n[1]                                                                 

1- هشاشة

حاء

ميم

غين

متجعدٌ منهارٌ

يشيب في حضرة الماضي

لا يسمع جيداً

ولا يرى جيداً

نُصَدِّقه حين يرسم ما نريد

مراوغٌ منحازٌ

إلى جمالٍ تَبَخّرَ من ماء أوجاعنا

ليصوغ جُملته في عيون الخيال

ويسكن ذكرياتِنا

كاذبٌ في غده

على مرآة حاضرنا وماضينا

هو ما تَجَمَّعَ من هشيم أحلامنا

لينسج دمعتنا على هيئة أنثى

نُصفف شعرها

نٌلبِسُها تاج العروس

ونجلسها قربنا بانتظار الزفاف

ونحضنها حين لا نستطيع البكاء

الحاضر باردٌ حين يلامس أجسادنا

نغليه على نار الذكريات

كي نحتسيه في قهوة الصباح

ونمشي

2- مراوغة                                                                          424527_547530048626215_675708544_n[1]

على طبق المساء

المتوغل في حزن عميقٍ

أراوغ قلبي

الدمع خبز اللغة المحروق في الانتظار

والوقت سيِّدُ المائدة الجائع

شبحٌ شره

يريد المزيد من البكاء

ولا يرتوي

والفضاء

صورةٌ مهملةٌ على سطح مرآة

تراكم فيها الحنين

تسللتُ بين الكلمات بجسمٍ مُتْعبٍ

وأحياناً لا يُرى

رميتُ مفتاح البئر في قاع الذكريات

لأراوغ قلبي

وتمرَّ القافلة

مزَّقتُ قميص الوقت من دُبرٍ

واتهمتُ وجهي في المرايا

ابتكرتُ من الصدى صهيلاً

لَعَلِّي أمسك الماضي قليلاً

وأستلُّ سيفاً من ابتسامةٍ سريعة

نامت على جوانب الحلمِ

وأطعنُ المعنى بسيف الخيال الغريب

لأقتلَ حاضري

وأجدِّلَ دمه في صورة الماضي

وأخدَعَها

أمَدِّدُ الأيام على ركبتي

وأنَظِفُها من غبار الفراق

وحين أنام

سأعطي خطايَّ لامرأةٍ

وأعطيها عيوني

لتمشي على طرقات القصيدة فيها

وتكملَ عني انتظاراً خبأته في دموعي

كي أراها

ربما ستغفر لي وجعي

كُلّما التقت بنفسها عند مقارعة الحنين

فمثلي لا يليق بالانتظار

ولا يليق به الانتظار

3 المُنَجِّم                                                                        

ليس لي مآربُ أخرى في عصاي

فقط ثقلت خطوتي

وساقاي متعبتان من خدعة الصحراء

والنار التي آنستها في الحلم

قد انطفأت

قرأتُ كَفِّي كي أتسلى

بما يُرمِّمُ المنجم ولو كذباً

لصورة آتية

هزَّت امرأةُ دمعة

وقالت جئتك بأمر من الحب

لنسري إلى أقصى الفرح

فامتطي على ذراعي براق الأمل

وخضّب بالأغنيات قوس قزح

ثم طارت

إلى ما لستُ أدرك

من غياهب هذا الحنين

وألقتني

في أرض غيابها

وقالت

كم ستخطئ في وجهك يا ابن المرايا ؟!

وكم قمراً سيسقط عن جناح حمامة

وأنت تنتظر خبراً يُدَجِّن ظلّك

لكي يقبلَكْ

اقترب من سدرت الحب وحدك

قلتُ أهنا ؟

قالت

لا أريد أن أحترق

واختلفتُ مع كفّي في قراءة كفّي

حين قالت

ألقِ ما في يمينك من ذكريات

واتفقنا

حين توجستُ من غدي خيفة

تسكن المرآة

فأغرقني دمي المسكوب في شرايين الغياب

واختلفتُ مع ظلّي كما كنتُ أرى

لأنّ صديقه الظل

ظلّ التي كُنت أراها بكفي

قد اختفى

ولم أكن أعرف

أنّ الظلين كانا يسرقان ظلَّ عواطفنا

ويعيشان فيها

فكأن الظلَّ أيضاً له قلب

وكأن الظلَّ من ذكرٍ وأنثى

ولا آية معي في الطريق

لألقيها على الأفعى

وأدرِّبَ الظلَّ على الانتظار

والمشيِّ فوق الماء

قوتي ليست أمامي

كلُّ هذا السراب يأتي من الماضي

إلى كفّي

ليعيد تشكيل الحنين على الجدار

وحين أنهي قراءته

سيخرج من خيبتي نسر

وينقضُّ على عصفورتي البيضاء

آيتي غرقت في البحر

وساقايَّ متعبتان

وليس بوسعي أن أسير فوق الماء

4 في البحر                                                                            424527_547530048626215_675708544_n[1]

خلف القصيدة بحرٌ

وخلف البحر ليلٌ

وخلف الليل مرآةٌ

وفي المرآة من يُشبهني

يتأمل وجه امرأةٍ في دمعةٍ غائبة

أأبكيها هنا ؟

وفي النوم أتركُ صورتها تسيل من عينيَّ

لتخضَّرَ صحراء الوسادة

وفي الصباح الجديد أقطفُ الوردَ

الذي نما قربي

لأغري المنام

ويطول في الغفوة القادمة

تقول المرآة

لساكنها الغريب

منذ متى سكنتني ؟

يقول الغريب

منذ صرتِ ابنة الذكرى وتزوجتِ من الحنين

فحملتِ فيَّ

وأنا كبَرتُ في بطنكِ وكَوَّنتُ عائلتي الغائبة

وبقيتُ من سكانكِ أنام على صورٍ لعائلتي الغائبة

تقول المرآة أتعبني حملكَ

وأخشى أن تكسرني ذكرياتك فيتشظَّى الجنين

ويتكاثر في المرايا

ولم أعد أعطيكَ وجهاً غير الغياب

متى ستخرج من بطني يا غريب ؟

يقول الغريب عندما تكتسي الذكريات لحمي

ليكمل الحلم هيئته

وينهي الكتابة عن امرأة

لم تعجن كحل عينيها بدمعي

فتقول المرآة

ماذا لو اقترحت عليكَ

شكلاً جديداً للحلم ؟

يقول الحلم لا

ماذا لو علقتُّ على جدارك وجهاً جديداً للفتاة

وأرحتكَ من سؤال الليل ؟

يقول الشاعر لا

ثم يكسر دمعةً ليصبغ شفاه امرأة

وتصير أسطورةً ويُقَبِّلَها في القصيدة

فينوس تراجعي لرحم البحر

في البحر مخاض جديد

سيلد امرأةً حاضرة غائبة

ويُسَمّي أسطورته الجديدة

سيبني ذاكرة الجمال

لغدٍ قادم من خلف المرايا الحاضرة

سيلدُ من لغة الغياب شاعراً

يقتل على عرش أوجاعه شرَّ الغياب

قُلْ ما لديك أيها البحر

قلْ لانكسار الموج في الذاكرة

لابد من حزنٍ لنكتب

ولابد من فرحٍ قليل لنمحو

قلْ للعاشق أنك صيّادُ الدموع المحترف

قُلْ للأسطورة أن تحذر منكَ

وأنكَ من يحمل موجه على أطراف دمعة

وقل لها أنّ النجوم ستضاء من جفن امرأة

تُقَبّل ُ نفسها في مرآة دمعي

وأنّ الغيومَ تُصَفَّى من مجرى الورد

على خدِّها

وإن بكى الشاعر في غيابها

ستحيل القصيدة إلى جسدٍ

وتنفخ فيه من روحها ومن حسنها

وكلّما جدّل الشاعر بالقصيدة شعرها

تنزُّ من عينيه دمعة

وتسيل داخل المعنى

ليغرقَ في الحروف

ويسقي صورتَها في القصيدة

5

هذا أنا

ذاكرةٌ لولبيةٌ تؤثث بيتي

ومرايا على طرفيِّ النهار

أحاولُ أن أُرَتِّبَ خطوتي لأنسى

فأنسى خطوتي

لتقودَني في مرايا الذاكرة

هذا أنا

يُخَيَّلُ لي أني أذهب للنوم واحداً

وأترك شخصين يتحاوران في المرآة

واحداً مرهقاً من صورته في مرايا الصباح

وواحداً تلبَّسَه جنُّ الفراق

فأنسلُّ من بينهما على حذرٍ

فأراهما قبلي مستلقيين على طرفيّ السرير

وأنا بينهما

يتنازعان ويمسكان نومي بقبضة ذكرياتي

فأستجديهما ليخرجا من وقتي قليلاً كي أنام

فيسخران مني

ويبقيان على الذكريات قربي

ويلقيان نومي من النافذة

إذاً

لابدَّ من مكرٍ جميلٍ

لأخدع في المرآة دهاء الذاكرة

ماذا لو استعرتُ من الحزن كناية العشب

وغطَّيتُ الحلم ؟

ثم ألبستُ الكلام ما تبقّى من حنين

وبكيته دفعةً واحدة ؟

ماذا لو فرشتُ للنجمة سطح تأملي؟

هل سيكملني شكلُ القصيدة في مرآتها ثم أصمت ؟

إني تعبتُ من الكلام

ومن خروج المنام عن سياق الكلام

إني تعبتُ

إذاً

سأمكر للوقت

لعلَّ امرأةً تقتبس صورتها في الحلم

وتجذبها أنوثتها على يديّ

وتأتي

فتأتي ولكن على عجلٍ

وترشُّ من نمش الأنوثة على دمعتي

وتقول

إن كنتَ شجاعاً كما تدّعي لغيمة

تحمل رذاذا خفيفا

من خرافة هذا اللقاء

لتُرطِّبَ هذا اللقاء الخرافيِّ

وقبل أن يخطفَ قلبَكَ رعدُ غيابي

عليكَ أن تجمع من أطراف البرق صورة ظلي

وانتظر حتى يأتيكَ المطر

ثم تغيبُ في صفة المُقَدَّس من غيابها

لتراني كما تشاء

وفي أيِّ وقتٍ تشاء

وليس بوسعي أن أراها

تُمَرِّرُ لي ما تريد من مائها وهوائها

هذا أنا

لا أنا ميتُ ليحاسبني ملك الغياب على خطيئتي

ولا أنا حيٌّ لأترك قلبي عند باب الرجاء العاطفيِّ

ليُرْزَقَ من بعض تجلياتها لقاؤها

أو نسيانها

أنور الأسمر

اترك تعليقاً