بِصِحّةِ المِ(مُ)حَ (حُ)نْ

بِصِحّةِ المِ(مُ)حَ (حُ)نْ

نستيقظ كل يوم بقلق، فنجد التاريخ يسحب من تحت أقدامنا بساط الزمن، ويداً تعبث في ترتيب الحِقب، لتعيدها إلى أول الجاهلية أو ما قبلها، كأن الوحي لم يهبط بعد على أحد، وكأن الوليدة لا تزال في انتظار الوأد، والمضارب معرضة كل لحظة للغزوات، والأصنام لا تزال تتنبأ بمصائر البشر، والسحرة يقدمون المشورة.

نستيقظ لنجد البعض لا يزال يجادل في كروية الأرض، وتركيب الماء، وإنسانية النساء، ومعنى الحرية، وجدوى العدالة، ومشروعية التعلق بالأرض، وحقوق الحرة والجارية والسبايا، نستيقظ فنرى حروبا تدور في أماكنها الخطأ، ترسيخاً للخطيئة، ونرى الدم ماء، والماء دماً.

نستيقظ لنرى اليقظين نائمين، خوفاً من قول كلمة حق…. ونرى المنافقين يقظين ينشرون السراب فوق القباب.

نستيقظ فنجلس لمتابعة نشرة أخبار فلا نفهم شيئا، ونسمع تصريحات فلا ندرك شيئا، ونقرأ قصيدة فنشعر أنها ناقصة، ونكتب أخرى فنشعر أكثر بالنقص، نلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي أسموها خطأ أنها المدى المفتوح، فظهرت كالأفق المفضوح، لا تغرد إلا ويغرد أحدهم حول رقبتك، ولا ترسل كلمة إلا ويفليها أحد ويعيدها مشوهة إليك.

نستيقظ لنمشي في الشارع فنعثر على الصمت يحتل الوجوه، صمت يحاور صمتاً، إن قلت كلمة صريحة لجارك ينظر إليك بعين الريبة، وكأنه يقول: (إنه يستدرجني..)، فيجيبك بنكتة وقحة.

نستيقظ فنذهب لمغازلة النساء حتى المساء، ثم نذهب لاحتساء كاسين من نبيذ يقضيان على سربين من خوف، فنجد من يرفعون أنخابهم لنا: بصحة الليل والخيل والرمح والقرطاس والقلم.. بصحة المحن .. (ولن أشكّل المفردة الأخيرة..)..

أنور الخطيب

4 تعليقات

أضف تعليقا ←

  1. أديب عزام قال:

    أنا أشاركك إلى ما قبل الفقرة الأخيرة واخلد للنوم بلا نعاس. لكن ما بعد الشدة إلا الفرج. سلمت أيها الصدبق الصدوق أنور الخطيب المحترم.

    1. admin قال:

      تحياتي أخي الأستاذ أديب، الفقرة الأخيرة جاءت لوصف الواقع بشكل أعم واشمل، فحتى في تلك الأماكن ترى السخرية والخوف من الواقع المرير.. دمت بخير صديقي الجميل، مع شكري لحضورك الأنيق..

  2. صائب الغادري قال:

    رائعة أخي وصديقي أنور الخطيب …. ولكن لماذا لم تشكل المفردة اﻷخيرة
    وهي بيت القصيد …!!!

    1. admin قال:

      مساء الورد صديقي الأديب الفنان صائب، لم اشكلها لأنني شكلتها في العنوان بشكل واضح، حتى وإن حملت التأويل.. وفهمك كفاية يا صديقي.. شكرا لحضورك هنا، نورت

اترك تعليقاً