مجمرةُ القصائد شعر د. علي نسر

مجمرةُ القصائد شعر د. علي نسر

مجمَرَةُ القَصائِدِ

شعر: د. علي نسر

الدكتور علي نسر

صَمتُ السَّواقي يَرتَدي مِنْ ثَوبِ أَيّامي

ارتِعاشَ الجَّفنِ، يَنسَكِبُ المَدى كَأْسًا مُشَظّاةً

عَلى غَسَقي

عَلى كَتِفٍ مِنَ الأَحزانِ وَاليُتمِ الغَريبِ

تَحُطُّ أَطيارٌ مُهاجِرَةٌ، وَتَرْشفُ مِنْ سُهادي

خَمْرَةَ الأَبْوابِ، أَتْعَبَها صَريرُ العُمرِ في

قَلَقي…

سَيَنْشلُني رَحيلُ البَدو مِنْ بِئْرٍ مُغَطّاةٍ

بِشَوْكِ الإِثْمِ، فَالأَشْطانُ أَوْرِدَتي، وَيوسُفُ

يَنْزَوي في عَتْمَةٍ مَمْحُوَّةٍ، أَسْرارُها مَحْفورَةٌ

في قَلبيَ المَهجورِ، أَبْحَثُ عَنْ قَميصٍ مَزَّقَتْهُ

أَصابِعُ امْرَأَةٍ، مِنَ الماضي تَجيءُ وَفي يَديها

رِزْمَةُ الأَوْحالِ تَنثُـرُها عَلى حَبَقي

أَيا امْرَأَةً تُلَمْلِمُ عَنْ فِراشي وَجْبَةَ النَّوْمِ

اِتْرُكي ما قَدْ تَبَقّى مِنْ حُبوبٍ لِلعَصافيرِ

الَّتي سَئِمَتْ مِنَ الأَقْفاصِ وَالجُدْرانِ في جَسَدي

دَعي الأَحْلامَ تَحْمِلُني عَلى خَشَبٍ مِنَ الأَمْواجِ،

تَتْرِكُني لِعِشْقِ النَّورَسِ المَذبوحِ شِريانًا بِلا عُنُقٍ…

أَنا المَتْروكَ لِلأَوْهامِ، تَسْبِقُني إِلى القِمَمِ الخَناجِرُ،

أَنْتَمي لِلَّيلَةِ الأولى، لِديجورٍ بِلا شُهُبٍ تُغامِزُني

فَتَسحَقُني المَسافَةُ مِنْ بَعيدٍ وَالرِّياحُ تَمُرُّ عاتِيَةً

مُزَفزِفَةً شُتولَ التَّبْغِ في رِئَتَي

وَتَنْحَرُني مُخَثِّرَةً حِياضَ الحَرِّ في عَرَقي…

سَيَحْفُرُني سُخامُ الشَّمْسِ مَجْمَرَةً مِنَ الآهاتِ

رايَةُ حَرْبِيَ انْكَسَرَت وَخاصِرَتي كَجَوشَنِ

فارِسٍ، ميدانُهُ ضاقَتْ جَوانِبُهُ، فَيَجْعَلُني الكَلامُ

مُقَدَّرًا في جَوْفِهِ المَسْتورِ،

أَرْفَعُ رَأْسِيَ المَفْتوحَ

وَالمَضْمومَ وَالمَكسورَ

رَغْمَ الياءِ أَوْ رَغْمَ اعْتِلالِ الحَرفِ أَوْ رَغْمَ

انْكِماشِ الدَّمْعِ في حَدَقي…

يَدي لَمْ تَسْتَطِعْ رَدَّ التَّحِيَةِ فَوقَ أَرْصِفَةِ الشَّوارِعِ

وَانْكِسارِ النَّرْجِسِ المَغْدورِ

في وِديانِهِ الثَّكْلى… نُسَيماتٌ تُعاتِبُ ما تَـبَقى مِنْ جُفونِ

الأَرْضِ… لا لَمْ تَأْتِ أَشْرِعَتي لِتَحْمِلَ ما تَجَمَّعَ مِنْ دُموعٍ

في بُحَيْراتِ الوَداعِ المُسْتَحيلْ

فَلِحافُ عِشْقي غَيْمَةٌ، وَوِسادَتي حَجَرٌ…

وَلي قَيلولَةُ الفَلاّحِ

في عِرْزالِهِ المَنْفِيِّ عِنْدَ بَكا الشُّتولْ

روحي كَمِرآةٍ مُحَدَّبَةٍ وَوَجهي مَلعَبٌ لِلرّيحِ

حينَ تَفُرُّ مِنْ أَيْدي الخَريفِ… وَجَبْهَـتي أُنْشودَةُ السَّفَرِ

المُعَتَّقِ بِالحَقائِبِ وَالعَويلْ

وَعَلى ذِراعي تَشْرَبُ الأَمطارَ صَحْراءٌ يُطَلِّقُها الشَّجَرْ

وَإِلى ضِفافِ القَلْبِ يُبحِرُ زَوْرَقُ الأَحْلامِ، تَكْسِرُهُ نَواتِئُ

صَخرَةٍ لَمْ تَـتْـرُكِ الأَمواجُ فيها غَيرَ صَوتٍ أَجْوَفٍ

أَوْ نَهدَةَ الكُثْبانِ لَمّا يَعتَريهِ دَبيبُ ماءٍ أَوْ خَدَرْ

وَعَلى عَصا الغَيْماتِ في أُفُقي

تَعَكَّزَتِ الشُّموسُ وَراحَتِ العَبَراتُ

تَقْرَأُ ما تَيَسَّرَ مِنْ رَسائِلَ خَطَّها الغَسَقُ

المُدَمّى فَانْهَمَرْ

حِبْرُ المَساءِ تَميمَةً بَينَ النَّخيلْ…

وَأَسيرُ نَحوَ مَقابِرِ الأَحياءِ، فَاتِحَتي تُفَتِّـشُ

عَنْ نَبِيٍّ، عَنْ جُروحِ الخَلِّ في رِئَةِ الرَّسولْ

شُبّاكُ روحي لاعَبَتْهُ الرّيحُ وَانْسَحَبَتْ

يُسامِرُني الصَّدى، وَحَواجِبُ اللَّيلِ المُبَعثَرِ تَنْحَني

فَوقَ النُّجومِ عَلى مَسانِدَ مِنْ غُيومْ

في صَدْرِها المَفْتوحِ لِلآهاتِ وَالخَفَقانِ، مَكتوبٌ

تُغَلِّفُهُ العَواصِفُ، في تَنَهُّدِهِ حَكايا البَحرِ لِلوِديانِ

ساقِيَةٌ تُغادِرُ دِفْءَ حَوْضِي، تَنْزَوي في غَيْهَـبِ النِّسيانِ

أُغنِيَةً يُدَوْزِنُها الرَّحيلْ

وَأَنا المُلَمْلَمُ مِنْ تَفاصيلِ الوُجودِ

مَراكِبي تَرْسو عَلى صَمْتِ المَوانِئِ خِلْسَةً

كَيْ لا يَرى شِرْيانَها سَهْمٌ

وَحَتّى لا تَصيرَ ثَمودَ كُفْرٍ مِنْ جَديدٍ

زَنْبَقي يَجْتاحُهُ نَهْرُ الرَّمادِ وَفي جَوانِبِهِ

قَدِ اسْتَرْخى الذُّبولْ

في رِحْلَتي المَنْسِيَّةِ الحُبْلى بِذِكْرى الخَمْرِ وَالأَقْداحِ

تُمْهِلُني المَنايا بُرْهَةً لِأُزَوِّجَ الكُثْبانَ لِلأَمْواجِ

أَفْرُشُ طَرْحَةَ الأَمْواجِ بَينَ الصَّخْرِ وَالنَّخَلاتِ

وَالفَرَحِ القَليلْ

مِنْ رَجْفَةِ الأَلْوانِ أَصْعَدُ، مِنْ مَراثٍ أَتخَمَتْ قَلَمي

وَأَرْكُضُ خَلْفَ دَرْسِ قِراءَةٍ دَرَسَتْ مَلامِحُهُ

عَلى بَوّابَةِ الأَوْراقِ في الحَيِّ العَتيقْ

حُبُكُ الجِبالِ تُحاوِرُ الشَّوْكَ الَّذي

قَدْ شَقَّ في جَسَدي الطَّريقْ

أَغْفو عَلى أُرْجوحَةِ الأَحْجارِ يَلْسَعُني النَّدى،

يَتَقَلَّبُ النَّوْمُ المُخَثَّرُ في دَمي، قَلِقًا عَلى تَخْتٍ مِنَ الأَنواء

حَتّى يَلْتَـقي نَهْرانِ في بَدَني المُشَظّى،

وَالمَدى يَنْأى عَنِ الأَطْلالِ

قافِلَةٌ تَجيءُ مِنَ الحُروبِ… سُيوفُها مَلْوِيَّةٌ، أَغْمادُها مَثْقوبَةٌ…

إِبْلٌ يُشَتِّـتُها الدَّليلْ

وَأَنا البِلادُ تَوارَثَتْ خُبزَ الهَزيمَةِ، جَيْشُها قَصَبٌ تَناثَرَ نايُهُ

نَوْحًا عَلى الوِدْيانِ، أَصْداءً تُـبَعثِـرُها التُّلولْ

(شاعر وناقد من لبنان)

اترك تعليقاً