قراءة نقديّة في شعر الشاعر الدكتور محمّد حبلص       بقلم: د. جورج إبراهيم حداد

قراءة نقديّة في شعر الشاعر الدكتور محمّد حبلص   بقلم: د. جورج إبراهيم حداد

قراءة نقديّة في شعر الشاعر الدكتور محمّد حبلص

1-يراعُكَ السِّحرُ أمْ أبياتُكَ الرَّعَدُ ؟             يا حُبلُصُ ﭐشمَخْ، وسَيلٌ ذلكَ الشَّهَدُ

2-صِغْتَ القوافي وَوَهْجُ الشِّعْرِ تَصْقُلُهُ 

       نَقْشًا على التِّبْرِ، والكِلْماتُ  تُصَّعِدُ

3- آتٍ إليكَ، معي قلبي، مُنوَّرَةٌ      

        مِنْهُ الْوُرودُ، فطابَ الصَّخْرُ والجَمَدُ

4- تُكَوكِبُ الشِّعرَ فيه، والهوى صَخِبٌ

تَقَاسمَ الصَّخْبَ مِنْكَ الشِّعرُ والأبَدُ.

منَ العُنوانِ البدايةُ، وإليهِ النهايةُ، قصائدُ، مفرَدَةٌ تحملُ معانيَ الجمعِ ودلالاتِ التعدُّدِ، وفيها ما فيها من مميِّزاتِ التفرُّدِ، إنَّما هي قصائدُ نادرةٌ، لم يكتُبْها إنسانٌ، بلْ كتَبَتْها الشّمسُ نفسُها، والشّمسُ هي رمزُ الحياةِ، وأملُ النورِ، ومَبْعَثُ الدِّفءِ والضّياءِ، منَ العُنوانِ نشعرُ بمشاعرِ الأملِ، بمفرداتِ التجديدِ، بروائعِ الإبداعِ، وبلاغةِ الإمتاعِ، ومعاني الإقناعِ، فهلِ الشَّمسُ، بلْ هلِ الطبيعةُ هي التي تكتبُ القصائدَ؟ لعلَّ العنوانَ يحملُ مشاعرَ الحنينِ والاشتياقِ إلى أيّامٍ مَضَتْ، وثوانٍ خَلَتْ، حينَها كانَتِ الشَّمسُ جُزءًا لا يَتَجزأُ منْ لحظاتٍ وجدانيّةٍ خاصّةٍ في نفسِ صاحِبِها، فهلْ يُفصِحُ عنْها في السُّطورِ القادمةِ؟

كلُّ العناوين “أنا”، هذا يؤكّدُ لنا وجدانيّةَ الشاعرِ وعاطفيّةَ المشاعرِ، هذا ما يَضَعُ الإنسانَ في مركَزِ الاهتمامِ وعينِ الرّعايةِ، عناوينُ تعزِّزُ الهُويّةَ الفرديّةَ، تؤكّدُ الذّاتَ الفريدةَ، تحملُ تجربةً داخليّةً مميّزةً، بما يعكِسُ الثّقةَ اللامتناهيةَ بالنّفسِ، نبدأُ بـ “أنا الكريم”، نبدأُ بمشاعرِ الجودِ والسّخاءِ، رمزِ الإيثارِ والتفاني في خدمةِ الآخرين، بما يعزّزُ قِيَمَ التعاونِ والموّدةِ بينَ النّاس.

أنا الملَّاحُ، رِحْلاتٌ واستكشافاتٌ، مشاعرُ المغامرةِ والشجاعةِ، والرّغبةِ في اكتشافِ عوالمَ جديدةٍ، الملَّاحُ هوَ الإنسانُ الذي يتناغمُ معَ النّسيمِ، في روحِ طَموحٍ تتحدّى الريحُ في رحلةٍ إلى المجهولِ، تتقدّمُ بنفسٍ وثّابةٍ، تتوقُ إلى المزيدِ منَ الإبداعِ، لكنْ بغتةً، نُباغَتُ بالإبداعِ، وتصدِمُنا العبقريةُ، فالملَّاحُ باتَ هوَ الريحَ نفسَها! كيفَ ذلكَ؟ هذا ما تُفصِحُ عنْهُ كلماتُ الحريّةِ والتّحرّرِ منْ كلِّ القيودِ، وتُجاوزُ الأخطاءَ وتخطي السُّدود.

كلُّ ما سبقَ تمهيدٌ؟ فالآنَ يخبرُنا الشاعرُ أنَّهُ الشّاعر! معلومةٌ قديمةٌ مُتَجدِّدَةٌ، فالشّاعرُ عندَهُ مشاعرُ الحساسيّةِ والانفتاحِ على الجمالِ والكلماتِ، فالشّاعرُ يلمِسُ برِفْقٍ المشاعرَ، تتحوّلُ داخلَهُ عاصفةً هوجاءَ، وإذْ بِهِ يُعَبِّرُ عنْها برِفقٍ منْ جديدٍ، في عمليةِ تأثيرٍ ورؤيةٍ عميقةٍ، يفجرُها في أنا العاشق، هناكَ الحبُّ وهنالِكَ الشّغفُ، هناكَ الحنانُ وهنالكَ المشاعرُ والعواطفُ، فالعاشقُ هوَ الشّخصُ الذي يعيشُ حالةَ الحبِّ والشّغَفِ المؤثّرةِ، لكنْ هنا هل هو عاشقٌ يعبِّرُ عن مراحلِ السّعادةِ وحدَها؟ أو أنَّه يعبّرُ عنِ الألمِ والحنينِ؟ ومفرداتِ الشوقِ والأنينِ؟

أمّا أنا البُلبُلُ، فهوَ عنوانُ الفرَحِ والمَرَحِ، عنوانُ النَّغَمِ والموسيقى، رمزُ التغريدِ والجمالِ الطبيعيِّ، والتواصلِ بأجملِ الأصواتِ، منَ العنوانِ تلمِسُ القلوبُ الأملَ، وتتفاعلُ معَ التفاؤلِ، في صوتٍ يبعَثُ السّعادةَ في النّفوسِ، ومنْ رقّةِ البلبلِ الضعيفِ، ينقلبُ الحالُ إلى النَّسْرِ القويِّ، بما يعكِسُ القوَّةَ والحريّةَ والاندفاعَ، بما يعكِسُ الشُّموخَ والاستقلاليّةَ، هوَ رمزُ العظمةِ وقوةُ السيطرةِ، رمزُ الحكمةِ والاندفاع.

ومثلُها أنا الرُّمحُ، قوَّةٌ واندفاعٌ، براعةٌ وعنِ النفسِ دفاعٌ، شجاعةٌ في مواجهةِ التحدياتِ، وردِّ الأعداءِ، والدفاعِ عنِ المبادئِ العاليةِ والقيمِ السّاميةِ بإرادةٍ صُلبةٍ، ويشيرُ الثائرُ بعدَ ذلكَ إلى الرغبةِ في التغييرِ والتحرُّرِ منَ القيودِ، يدلُّ على أحاسيسِ الشّجاعةِ والإقدامِ، لكنْ هناكَ جرحٌ وهنالِكَ دماءٌ؟ أيُّ ألمٍ وأيّةُ معاناةٍ؟ لكنْ في الجرحِ قوةٌ على المواجهةِ لا ألمَ ولا يأسَ ولا استسلام.

وتتماهى القصيدةُ التاليةُ (أنا الشمس) بالعنوانِ الأساسِ (قصائدُ كتَبَتْها الشّمسُ)، لتعودَ مشاعرُ الحياةِ بعدَ الجِراحِ، وتتفجّرُ آمالُ النّورِ بعدَ آلامِ الظّلامِ، عادَتْ السّعادةُ وعادَ التفاؤلُ، في مبدأ القوّةِ ومبتدأ النشاطِ والحيويّةِ، والبدايةِ الجديدةِ السعيدةِ.

وتتوالى العناوينُ المعبِّرةُ، بإحساسِ التميُّزِ والتفرُّدِ في (أنا النجمُ) حيثُ الإنجازُ والتفوّقُ، حيثُ الأحلامُ والشُّهرةُ، ثمَّ الألمُ والبكاءُ منْ جديدٍ، في (أنا النائحُ)، فما الذي فقدَهُ الشّاعرُ حتى يبكي ويحنو عليه؟ لكنْ مهلًا مهلًا، فالشّاعرُ ساحرٌ! يا له من تحوُّلٍ ويا له من إبداعٍ يثيرُ الإعجابَ، هو ساحرٌ فيه النّقاءُ، وفي روحِهِ الصّفاءُ، عندَهُ القِيمُ والمبادئُ، عنده الطموحُ والتقدُّمُ في مسيرتِهِ الصاعدةِ نحوَ الطموحِ، نحوَ الإصرارِ على تحقيقِ الأهدافِ، وهو ذو الأخلاقِ العاليةِ، والروحِ الكريمةِ السَمِحَةِ، والقلبِ الواسعِ المتسعِ للجميعِ، وهو النّهرُ، رمزُ الاستمرارِ في التدفُّقِ، والمتابعةِ في الألقِ والتألُّقِ، وهو بحبِّهِ متيَّمٌ، وبعِشقِهِ عاطفيٌّ، وبعاطفتِهِ ضعيفٌ وقويٌّ، لكنَّه في ألقِهِ وكرَمِهِ وحبِّهِ جريحٌ، الألمُ يعتصرُ قلبَهُ العاطفيَّ الرقيقَ، فيتعالى على الجراحِ وفي الهواءِ ينسابُ كألطفِ النّسماتِ، متوثِّبًا في أنفاسِ الحياةِ، يمضي فيها بحماسةٍ وقوّةٍ وطموحٍ، إلى ما لا نهاية ولا حدود، منَ الإبداعِ والإحساسِ والرموزِ الخفيّةِ والمعاني الواضحة.

الدكتور جورج إبراهيم حداد

طرابلس في 20/2/2025

اترك تعليقاً