أنا المسافرُ وأنا العائدُ
أُعِيدُ بِنَاءَ نَفْسِي
مِنَ الدَّاخِلِ،
كَمَنْ يَحْفُرُ الضَّوْءَ
فِي حَجَرِ الصَّمْتِ،
كَمَنْ يَجْمَعُ الأَمْسَ
فِي كَفِّهِ،
وَيَخْبِزُهُ لِلْغَدِ
الَّذِي لَا يَجِيءُ.
أَنَا الغَرِيبُ…
أَمْشِي عَلَى أَثَرِي فِي الرِّيحِ،
وَلَا أَعْرِفُ
إِنْ كُنْتُ أَلْحَقُ بِظِلِّي،
أَمْ يَلْحَقُنِي.
أَنَا المُسَافِرُ…
أَحْمِلُ جِسْمِي
كَحَقِيبَةِ مَنْ فَقَدَ الجُذُورَ،
وَأَمْضِي…
أُرَتِّبُ أَوْجُهَ المَارِّينَ كَالأَبْجَدِيَّةِ،
وَأَنْسَى أَنَّنِي
لَفْظٌ زَائِدٌ فِي الجُمْلَةِ.
أَنَا العَائِدُ…
لَكِنْ… إِلَى مَنْ؟
إِلَى المَدِينَةِ الَّتِي نَسِيَتْنِي؟
أَمْ إِلَى الأَزِقَّةِ
الَّتِي أَسْقَطَتِ اسْمِي؟
أَمْ إِلَى كَفِّي الَّتِي تَمُدُّ يَدَهَا لِلْفَضَاءِ
وَلَا تَقْبِضُ إِلَّا الوَحْدَةَ؟
أَنَا المُسْتَمِرُّ…
كَأَغْنِيَةٍ تَتَجَوَّلُ فِي الأُفُقِ،
كَكِتَابٍ فَقَدَ صَفْحَاتِهِ الأَخِيرَةَ،
كَحُلْمٍ يَرْفُضُ أَنْ يُصْبِحَ ذَاكِرَةً.
أَمْضِي…
أُعِيدُ بِنَاءَ نَفْسِي مِنَ الدَّاخِلِ،
وَأُشْعِلُ فِي جَوْفِي طَرِيقًا،
فَأَكُونُ المُسَافِرَ… وَالعَائِدَ…
وَالوَطَنَ الَّذِي لَا يُغَادِرُ.
محمد بن حمودة/في أزقة لندن