جواد العقاد: أسطورة الشاب الفلسطيني
بقلم: شريفة زرزور- كاتبة سورية
أفكر كثيراً، محاولةً أن أطابق بين صورة لشاب من شباب اليوم وصورة جواد. أقف عاجزة، ويقف عجزي دافعاً لأعرف أكثر: من هو الشاب الفلسطيني جواد؟
ترتسم أمامي صورة مباغتة لا تشبه أي شاب أعرفه أو أتخيله؛ كأنه أسطورةٌ من الأساطير الخالدة التي لا تموت بموت أبطالها. أنفض رأسي من هذا الخيال، الذي قلما يسعفني في مثل هذه المواقف، وأراه عبثاً مبالغاً فيه. أطلب التمهل والتؤدة من نفسي، وأُخبرني:
على رسلكِ يا شريفة!
جواد شاب مثل كل الشباب، شاب مقبل على حياةٍ تبسط له أذرعها مهللة، تستقبله بالورود والياسمين. شاب لا يمشي على الأرض هوناً، بل يطير بجناحين كبيرين، يحلق فوق السحاب، يبصر الكون بعيني الأمل والتفاؤل.
لكن يعود الخيال، ليلعب لعبته المداهِمة في عقلي ويقتحمني بقوة أكبر هذه المرة، كأنه يهزني، ويصور أمامي عملاقاً كبيراً ينهض من تحت الركام. ينفض الغبار عن جسده، ويزيح الصخر بقوة وشجاعة عجيبة عن طريقه، ويتقدم بثبات وتحدٍ.
شيء يشبه أولئك العمالقة الذين نراهم في أفلام الكرتون، شيء يشبه هالك (Hulk) أو الوحش الأخضر. يمتلك قوة حديدية لا تلين، يقف منتصباً بصدر منفوخ وعضلات فذة. تخترق الرصاصات جسده العاري، فيرتد بضع أنملات إلى الخلف، ثم يعود ليقف بتثاقل، يحدق في وجه قدره بعينين شاخصتين تملأهما الحزن والحنين.
وسط صيحات وصراخ المتفرجين، تنهال عليه سهام القدر الخارقة من كل صوب وجانب. يتألم ويتلوى في كل الاتجاهات، وتعتصر المعاناة جسده الخارق. ينحني تحت وطأة العذاب والقهر، متكئاً على نفسه. يجثو على ركبتيه، يحتمل ما يعتريه من ألم. لكنه لا يلبث أن يعاود النهوض بصعوبة، تماشي القسوة والدمار الذي يلاقيه في دروب حياته، قاهراً مخاوفه ومطارداً أحلامه.
يقف “هالك” — أقصد جواد — من جديد، متشبثاً ببصيص أمل يمده بدفقة جديدة لمواصلة الحلم وإثبات حقه في الوجود. ينهض هذه المرة متثاقلاً، وكلّه لهفة للاستمرار والمضي في سبيل الحياة.
نعم، جواد مثل تلك الشخصية الكرتونية التي لا تموت. يقاوم ويستمر، ويعود ليقهر الموت في كل مرة يحاول أن ينتزعه من الحياة. وأنا أقف كالأطفال، أتابع من بعيد هذا العملاق في غمرة هذه التحديات المهولة.
هذا هو جواد:
أسطورة الشاب الفلسطيني الذي يحذوه الأمل مع إشراقة كل صبح وإطلالة كل قمر.
جواد، رمز المقاومة والصمود.
جواد، نجم يلمع في سماء تداهمها حروب النجوم.
مرحى لك يا جواد، وطوبى لرموز فلسطين الشجعان.