الوطنُ الذي حلمتُ به ليس هكذا يا صفيّة،
الوطنُ الذي حلمتُ به لهُ ذراعَا أبي
و جديلةٌ كتلك التي تعقدُها أمّي
حول رقبةِ أحزاننا كلَّ صباح.
أخبريني،
ألازالت تصلُ رائحةُ اللّيمونِ إلى شُبّاكك،
و رائحةُ الصّلواتِ التي خمرت
و هي في عناقيدها؟
لازلتُ أشمُّها أحيانًا؛
اللّيمونةُ اليافعةُ في صحنِ البيت،
نحكُّ إبطيها فتضحكُ الشّتاءَ كاملاً،
و ندّخرُ ضحكاتها في القواريرِ و المرطبانات.
أذكرُ ميدعةَ الدّراسةِ الأولى،
أكمامها الواسعةَ كأحلامي،
و كَمْ ثُقبًا ٱبتسمَ لي
و أنا ألقي النّكاتَ على كلِّ حجارةٍ بالطّريق.
أتذكرين بائعَ البقلاوة يا صفيّة،
و بأيِّ سُهولةٍ يفتحُ لنا الحياةَ من قراطيسه؟
أحلمُ بوطنٍ صوتُ الفرقعةِ الوحيدُ فيه
فرقعةُ السّكاكرِ بين أسناننا.
كنتُ أعودُ إلى البيتِ بجيبٍ مُمتلئ،
و يدين تمنيّتُ لو أقاومُ الشّرّ
بالعسلِ الدّبقِ بهما.
صوتُ أمّي،
الفراغاتُ بين أصابعها المُتكلّسةِ
بالدُّعاء،
فلجتها التي تسترُها بباطنِ اليد؛
مساحاتٌ أكثرُ ٱتّساعًا
من أيِّ مدينةٍ سكنتُها.
لا أدري عند أي شاهدٍ أقرأُ الفاتحةَ لأمّي:
حوض المطبخ،
علبةُ دبابيسها،
أم تلك الصّخرةُ التي يفركُها الربُّ بين أصابعهِ
لتدفأَ الجنّة.
هل تحنّينَ لأبيكِ أيضًا يا صفيّة؟
كنّا نجمعُ الزّياتينَ حتّى يُلطّخَ اللّيلُ كفوفنا،
و بنعولنا الكادحة،
نمشّطُ زغبَ الطّريق.
و هكذا كلَّ يوم نعيدُ تصفيفَ عالمٍ
لا يريدُ منّا سوى أقدامنا.
كان بحيّنا فتاةٌ
لازلتُ أتساءل كيف لم تعتذر لها الشّمس
وحبّاتُ الكُّمّثرى
و أعوادُ النّدّ
عن التّباري ضدّها.
حتّى في الحرب، ظلّت جميلة
كمذياعٍ يكحُّ فيروز من حُنجرتهِ المُلتهبة.
المرأةُ و حُبُّهَا
كلُّ ما يبقى لنا من الوطنِ يا صفيّة
قبل أن تقصُرَ ذراعاه
و ينذرَ جديلتهُ للرّياح.
— بقلمي