الذاكرة مصيدة أنت فيها الطريدة:
أنت هنا تهرول فزعا وهربا دون أن تدري ودون أن ترى حقيقة هذا المشهد اليومي الذي يحول بينك وبين أن تجد ذاتك وأن تتحرر كاملا. أنت مطارد والذاكرة صياد يصطادك كل يوم ويوقعك في شباكه وفي قفصه العظيم. الذاكرة حيوان كبير يفترسك كل يوم.
إن الذاكرة نقيض الحرية، إنها ضد التعلم الجديد، إنها تحول بينك وبين حريتك الذاتية. الذاكرة قفصك وسجنك الذي تطلق عليه الصفات الرائعة والبهية (الحاضن، الأمان وغيره). الذاكرة إذا رأيتها تختفي وإذا لم تحدث الرؤية تتراكم وتتغول وتتسع مساحات شباكها وسجنها وقضبانها عليك. تصبح آيديولوجيا، تاريخ، أصل، تمييز، انتقام، ألم، إلى آخر العقبات.
إن العالم الخارجي محايد، ولكن أنت من لا يجعله كذلك. لذا حين تمارس فعل “التذكر” أو تفترسك الذاكرة في أي لحظة كانت، كل ما عليك قوله هو:
” لقد تم فتح الحضيرة، وها هي الحيوانات خارجة مندفعة منها”.
كن حيث أنت، اثبت مكانك، لا تفعل شيئا، فليكن فعلك هو اللافعل. أرأيت، إنك في الحقيقة وحدك “فارغا” والحضيرة “فارغة” هي الأخرى، ومن دون حيوانات مندفعة أو مفترسة أو قد تدوسك وتدهسك. فالمشهد برمته كان “لاشيء” فلا تجعله شيئا يحدث. الحيوانات من طبيعتها الاندفاع إلى خارج الحضيرة بمجرد فتحها. و ما عليك إلا أن ترى فحسب وتضحك ساخراً من هذا المشهد برمته.
كل ما واجهتك مشكلة قل هذا:
لقد تم فتح الحضيرة وها هي الحيوانات خارجة مندفعة. واضحك ثم اضحك حدَّ البُكاء ضحكا، فمن طبيعة الحضيرة أن يكون بداخلها حيوانات ومن طبيعة هذه الحيوانات الاندفاع إلى الخارج إذا تم فتحها.
كن حيث أنت، فليكن فعلك هو “اللافعل” فالمشهد قديم ومتكرر. وحده من رأى ذلك سيضحك، ووحده “الأعمى” سيندفع معها تلك الحيوانات ظانا أنها تهاجمه أو أنه واحداً منها.
وهذا أمر مضحك بل بليد وساخر. مضحك لأنه أطال الأمر كثيراً، لدرجة أنه لازال مندفعا معها، في مشهد لا ينتهي.
لقد تم فتح الحضيرة وها هي الحيوانات مندفعة منها إلى الخارج. من “رأى” قال مسلياً، من لم “يرى” قال إنها الكارثة. وهذا كل ما في الأمر.