كنّا صِغاراً
كنّا صغاراً لا تَلُمْ
يوماً صغاراً في الحياةْ
أمّا أمانينا الكبيرةُ
فهْيَ أصغَرُ مِن محاصَرَةِ الأماني
أو تُضيّعُها الجِهاتْ
كنّا حُفاةً كالذئابِ
وكانَ رملُ الدربِ يعرِفُنا حُفاةْ
لا هَمَّ نحمِلُ حينَ نركُضُ
أو نطارِدُ في الشوارعِ حافِلاتْ
تجْري ونجْري خلفَها
فَرَحاً إذا ابْتَسَمتْ لنا
بنتٌ بحافلةِ المَدارسِ للبناتْ
دربُ المدارسِ لم يكنْ درباً كبيراً
كان كالسّكَكِ الصغيرةِ
إذْ تحاصِرُهُ البيوتُ الواهياتْ
فكأنَّما مُدَّتْ إلى تلك البيوتِ سواعِدٌ
حتى تسانِدَ بعضَها بعضاً
تماسَكَتِ القلوبُ مع البُناةْ
قلْ ما تَشا
ما كان مِن سعيٍ لنا إلا النَّجاةْ
أنْ لا يداهمَنا مِن الأمراضِ ما يُلقي بنا
في سلّةٍ للموتِ أو في سلّةٍ للمُهمَلاتْ
كنّا وكانتْ أجمَلُ الأشْجارِ في الأرضِ النَّخيلُ
فلمْ تكنْ غاباتُ أوربّا تُعادِلُها جمالاً
أوْ لَها ذِكرَى بِنا في الذكْرياتْ
وبوَقْفةِ الشبّاكِ لابْنَةِ جارِنا
كانتْ مقاماتُ الجمالِ ، السحرِ
والأشعارِ قد وَقَفَتْ لبادِرَةِ الْتِفاتْ
***
كنّا صغاراً وانْحنَتْ لغةُ الدراسةِ
آفَّةُ النحوِ القديمِ على جديدِ المفرداتْ
وكلامُنا الشعبيُّ في كلِّ المناهِجِ
يمْتَطي كلَّ اللغاتْ
كنّا ملائكةً صغاراً نقْتَدي
بإمامِ جامعِنا
ونخْشَى أنْ تَفوتَ بنا الصلاةْ
كي لا يُقالَ لنا عُصاةْ
كنا نراها تُهمَةً كبرى
يحاربُنا بها جارٌ وأكبرُ ذَنْبِنا
هي سرْقَةُ الدُّكانِ مِن بعضِ الفُتاتْ
***
كنّا صغاراً .. بِرْكةُ الأمطارِ
أكبرُ ما نرى للماءِ مجتَمِعاً
فلم نسمعْ “بنيلٍ” للمياهِ ولا “فراتْ”
لا نهرَ إلا في الخرائطِ
حين ندرسُ ما بمصرَ
وما تقادَمَ في العراقِ من الوُلاةْ
أو مَن تقاتَلَ من طُغاةْ
والمغرِبُ العربيُّ جِئْناهُ كِباراً
لم نكنْ ندْري ” مَراكشَ ”
أو ” بطنجَةَ ” كانَ أسبانٌ غُزاةْ
حتى الجَزائرُ لمْ نكنْ نَدْري عنِ الثوّارِ ما صَنَعوا
وما قامَتْ ” بُحيْرِد ” والذي
صنَعَتْ قُبيْلَ السجنِ كلُّ الثائِراتْ
والشامُ لم تدخُلْ قواميسَ القراءةِ
قد بَدَأْنا بالجَزيرةِ
كيفَ لمْلَمَتِ الجِراحاتِ ائْتِلافاً مِن شَتاتْ
ويلاهُ يا تلكَ السنينِ العابراتْ
في كلِّ ما أخَذَت أسامِحُها
وأُبقي فُسْحَةَ العَتَبِ الجميلِ
على مفاصِلِهِ خيالاتي هِباتْ
أتعودُ ؟ أدْري لنْ تَعودَ وإنَّما
أنا لمْ أزَلْ مِنها على قيْدِ انتظارٍ
في ثَباتْ