مرت سنة قاسية، بلا أعياد ولا أفراح. الموت هو السيد الوحيد، يقتحم كل بيت، وكل قلب، يترك خلفه خراباً كبيراً وانهيارات في العواطف والنفوس، وكأن السماء قد سقطت على هذه الأرض، فلم يبقَ حلم إلا واندثر تحت وطأة الخيام الباردة والوجوه المرهقة التي لا تزال تنتظر الفجر.
كنت في بداية مشواري الشعري أسمي نفسي “شاعر الألم”. واليوم، صرت شاعر الألم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تجاوز هذا الألم حدود الكلمات، فما نعيشه هنا أكبر من أن تصفه قصائد، وأعظم من أن تحتمله نفس بشرية. أنا ابن شعب لا يملك سوى الإيمان والصبر المر، والفكرة الخالدة رغم الحصار والموت.
طوال هذه السنة، كنت أكتب تحت القصف. القصيدة تحولت إلى لغة جديدة برائحة البارود، تخرج من فوهة الموت لتعاند الصمت. حاولت التحايل على الألم بالكتابة، ولكن الألم كان دائماً أقوى. وفي النهاية، وُلد ديواني “أقود الطيور من المذابح”، كأنني أحاول أن أقود الروح نحو الخلاص من هذا الجحيم.
ما أكتبه ليس إلا صراخاً ممتداً أمام محكمة الدم. هو أنين أولئك الذين يعيشون تحت سكين الزمن، محاصرين في جغرافيا مغلقة، بلا مفر، بلا صوت يسمع. والعالم من حولهم يمضي، صامتاً، عاجزاً، خاذلاً.
مرت سنة، وما زلت أجهل إلى متى ستستمر هذه المعاناة. تعبت من الكلمات الضئيلة أمام هذا الكم الهائل من الوجع. انتهى الكلام، ولم يبقَ إلا الأنين في مواجهة الموت، الصمت، والخذلان. الشعر وحده لم يخذلني. الشعر هو آخر ما تبقى لي، وهو ما يربطني بالوجود في زمنٍ يتآكل فيه كل شيء.
سنة مضت، من الموت، الحصار، الجوع، والتشرد…
*جواد العقَّاد – غزة*