غزَّة في مواجهة مصيرها المجهول وفساد الطابور الخامس    بقلم: جواد العقاد

غزَّة في مواجهة مصيرها المجهول وفساد الطابور الخامس  بقلم: جواد العقاد

غزَّة في مواجهة مصيرها المجهول وفساد الطابور الخامس 

بقلم: جواد العقَّاد – كاتب من غزة ورئيس تحرير صحيفة اليمامة الجديدة

من قلب غزة الجريحة، أكتب إليكم:

شعبنا جبار، صامد في أرضه، يواجه كل المخططات التي تُحاك ضده ويُسقطها، على مدار التاريخ قدم تضحيات جِسام في كل مراحل النضال الوطني وفي كل أماكن وجوده، ولا شك أن صموده هو سلاحه الأقوى في مواجهة هذه المرحلة الحساسة وشديدة الخطورة.

في هذا الوقت العصيب، يظهر من يتاجر بمعاناة الناس، سواء في الداخل أو الخارج. هؤلاء مشبوهون، تجار حروب بلا ضمير ولا مبادئ ولا أخلاق، يبحثون عن غنائم من معاناة شعب غزة الذي يعيش منذ عام في خيام مُهينة، لا تحفظ أدنى مقومات الحياة الإنسانية الكريمة ولا توفر خصوصية، وبين ركام المنازل المدمرة، ويضطر بعض الأفراد بناء بيوتهم من مخلفات وركام منازلهم، كي يواجهوا شتاءً قاسياً بأقل معاناة.

أين هو الدعم اللازم لتعزيز صمود المواطنين الذين يخوضون أشرس معركة وجودية؟ هذا واجب إنساني وأخلاقي، وليس منَّة من أحد. لهذا يجب على المؤسسات الرسمية وغيرها أن تنهض برفع المعاناة عن أبناء شعبنا في كل مكان، في غزة والضفة والقدس والمخيمات.

تُعاني غزة من فساد كبير في المؤسسات التي يُفترض بها تقديم المساعدات والدعم لأهلها الصابرين الصامدين، في العراء بلا أسقف ولا جدران. هناك الكثير من الجهات الممولة التي لا تتعامل مع وسطاء أمناء، ما يؤدي إلى تفشي السرقات والاحتيال وعدم وصول المساعدات إلى مستحقيها. في الوقت الذي يُعاني فيه الناس من ظروف معيشية صعبة، يجب أن تُركّز جهودنا على دعمهم بالمواد اللازمة لترميم المنازل مؤقتاً، وتوفير الخيام الجيدة، والأموال، والمواد الغذائية. فإن واقع غزة بائس للغاية. بعض الجهات المعنية، سواء من دول شقيقة أو مؤسسات دولية، قد وقفت إنسانياً مع الشعب الفلسطيني في غزة. لكن إذا لم تُمارس هذه المؤسسات الرقابة المباشرة، فلن تصل الحقوق إلى أصحابها، ويمكن العمل على قطع الطريق على اللصوص بوضع آليات واضحة للرقابة، مثل: الاتصال عشوائياً على الفئات المستهدفة من المساعدات.

وكذلك لا بد من الإشارة إلى أن تصوير معاناة الناس وهم يتسلمون المساعدات في الخيام، هذه أمور إنسانية يجب أن تُحترم، فلا نهين كرامة هذا الشعب العظيم رغبة في زيادة التمويل أو مآرب أخرى. يمكن مساعدة الناس دون “سوشيال ميديا” هذا متاجرة لا مساعدة. وأي سرقة تُمارس باسم معاناة الشعب هي إجرام، ومن يفعل ذلك هو مجرم حرب وشريك في المعاناة.

كما أن التجار المحتكرين الذين يستثمرون في معاناة الشعب يجب مقاطعتهم، ليعودوا إلى رشدهم ويفهموا أن شعبنا لن يرحم أحداً. يستغلون معاناة الشعب وهذه جريمة مزدوجة، حيث يتاجرون بآلام الناس ويزيدون من معاناتهم في أصعب حرب عرفها التاريخ المعاصر وأخطر مرحلة في قضية فلسطين.

هؤلاء التجار، الذين يرفعون أسعار السلع الضرورية إلى أسعار خيالية، لا يراعون الضوابط الأخلاقية ولا الإنسانية، بل يسعون فقط لتحقيق مكاسب سريعة على حساب حياة الإنسان المطحون في غزة. يجب أن يعرفوا أن هذا الجشع لن يمر دون حساب، وأن الشعب الذي يعاني ويموت يومياً لن يرحم من يستثمر آلامه. وإن مقاطعة هؤلاء التجار واجبٌ علينا، فليس من العدل أن يتحمل المواطن تبعات جشعهم، في حين يعيشون في بحبوحة من الثراء “المؤقت” على حساب فقراء شعبنا وظهورهم.

نحن بحاجة إلى وحدة قوية في وجه هذا الظلم، لنثبت لهم أن الشعب لن يتسامح مع كل من يحاول استغلاله.

وعليه يجب اتخاذ خطوات عملية تدعم أهل غزة في هذه الأوقات العصيبة. أولاً، ينبغي على المجتمع الدولي العمل على توفير دعم مالي مباشر للأسر المتضررة، مما يساعدهم في تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والملابس. ثانياً، من الضروري إنشاء آليات رقابية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وذلك من خلال التعاون مع منظمات محلية موثوقة.

علاوة على ذلك، يجب دعم الترميم “المؤقت” بشكل عاجل، من خلال توفير مواد البناء اللازمة وترميم المنازل المتضررة، مما يسهم في توفير أماكن آمنة للعائلات خلال فصل الشتاء. وكذلك ينبغي تشجيع المبادرات الزراعية المحلية، لتوفير الغذاء وتعزيز الاكتفاء الذاتي بأكبر قدر ممكن.

أيها العالم الصامت، اعلم أن صمتك عار، والحياد عن القضايا الإنسانية خيانة للضمير. شعبنا لا يريد تفضلاً من أحد، بل يريد حقه في حياة كريمة. هذا الشعب قدّم وما زال يُقدّم تضحيات  من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، ولا يمكن أن يجازى بالتخلي عنه. العالم والمجتمع الدولي لا يقف عند مسؤولياته تجاه غزة. لو دعم العالم إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لما حدث ما حدث.

وأخيراً، قد يكون هذا زمن الجواسيس واللصوص، لكن المستقبل لنا، للشعب والوطن والإنسان الحر. سنظل نحارب من أجل الحقيقة والحق، ولن نرحم من يتاجر بمعاناتنا. صمودنا هو سلاحنا، ولن ينكسر. ومن هنا على المثقفين والإعلاميين أن يؤدوا دوراً في توعية المجتمع الدولي بمأساة غزة، من خلال تسليط الضوء على معاناة الناس، مما يساهم في الضغط على الجهات المعنية لتقديم الدعم اللازم، والضغط لوقف الحرب على شعب غزة، الذي يعاقب جماعياً.

المزيد على دنيا الوطن ..https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2024/09/23/1541082.html#ixzz8mgXoEmZv
Follow us:@alwatanvoice on Twitter|alwatanvoice on Facebook

اترك تعليقاً