فتنة كارنيليان يوتوبيا طموحة وتجاوز لخطاب الأمس

فتنة كارنيليان يوتوبيا طموحة وتجاوز لخطاب الأمس

فتنة كارنيليان لأنور الخطيب

يوتوبيا طموحة وتجاوز لخطاب الأمس

بقلم: عزت عمر

فتنة كارنيليان
رواية

تقديم.

يهدي الروائي الفلسطيني أنور الخطيب(1) عمله الروائيّ العاشر إلى روح راشيل كوري الفتاة الأميركية التي قضت نحبها تحت جرافة إسرائيلية دفاعاً عن بيت فلسطيني، وهذه الالتفاتة من الروائيّ تؤكّد قضيتين مهمّتين سنسعى لاستجلائهما: أولاهما تتعلّق بزماننا المعولم والثورة الرقمية وأثرهما في إعطاء القضية الفلسطينية بعداً عالمياً وجد فيه الشعب الفلسطيني أنصاراً يتضامنون مع قضيته وينتصرون لها وللشعب المغلوب على أمره تحت سطوة الاحتلال وصنوف القمع الوحشي التي يمارسها، بعدما ضللتهم الدعاية الصهيونية طويلاً.

وثانيتهما: انفتاح الرواية الفلسطينية على الحوار مع الآخر الغربي واليهودي الغربي بعيداً عما لهجت به الكثير من الكتابات الشعاريّة المؤدلجة في المدونة السردية الفلسطينية.

صورة الناقد عزت عمر

1 بنية التناص.

تبدأ أحداث رواية “فتنة كارنيليان” (2) في مركز “المارينا” في أبوظبي مع زاهر، وهو الشخصية الروائيّة المحورية، نتعرّف إليه ككاتب ومثقف فلسطيني يعيش وحيداً، الأمر الذي يخوّله التعرّف إلى الفتيات ومصادقتهنّ، ومن هؤلاء الفتيات يلتقي مصادفة في المقهى بامرأة إنجليزية تدعى كاترين فيتبادلان حديثاً مطوّلاً، كشف فيما كشف عن حساسية زاهر تجاه الغرب السياسي، واهتمامه الإيجابي برموز هذا الغرب الثقافية والإبداعية، مما يؤكّد تمكّن الشخصية من تجاوز مفهوم الغرب/ العدو.

وهذا الفرز الأولي ما بين موقفه من القضية العربية وموقفه الثقافي الإنساني يبدو لنا ضروريّاً كبداية لفهم أطروحته الأساسية وتلميحاته وإشاراته الموظّفة على شكل تناصات عديدة مستقاة من التاريخ القريب الذي يبدأ مع تهجير الفلسطينيين عن أرضهم وتشريدهم في المنافي، أو من خلال الواقع السياسي والثقافي، وعلى نحو خاص ما يبثّه التلفزيون والصحافة من أحداث مرتبطة، إضافة إلى كم كبير من المتفاعلات النصّية التي وظّفت بمهارة كي توصل رسالة محددة للقارئ فيميّز بسهولة ما بين كل من: د. هـ لورانس، و كونداليزا رايس، على سبيل المثال، وكل ذلك في حبكة روائية قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة ولكنها في الحقيقة تذهب إلى تعقيد كبير يشمل العالم وقضاياه في بنية فنية متصاعدة تنبئ عن حرفية وتجربة طويلة مكّنته

من إقامة حوار غنيّ حول مستجدات العالم عبر أربع شخصيات: زاهر من فلسطين وأحمد من

أبو ظبي وهما يمثلان الشرق العربي، وكاترين الإنجليزية وجين الأميركية باعتبارهما

ممثلتين للثقافة الغربية، وفي الوقت نفسه هما يهوديتان ولكنهما تمثّلان ثقافتين مختلفتين ومتضادتين بالنسبة للموقف من الصهيونية في (إسرائيل) والعالم، يستعرضهما الروائيّ بحيادية نسبيّة عبر سارد غير متماه بمرويه، وذلك وفق ما يأتي:

1 رؤية الغرب للشرق بعيني كاترين.

كاترين امرأة انجليزية ناضجة وصلت أبوظبي منذ بضع ساعات، لها ثقافتها وزاوية رؤيتها الخاصة للشرق عموماً وللعرب على نحو خاص، ومن خلال الحوار يلتمس القارئ أنها سوف تبدأ بتصحيح الكثير من هذه الرؤى المستمدة من نزعة التمركز الغربية، تلك النزعة التي ميّزت الأوربيين من غيرهم قديماً بجملة من الكتابات التي نظّر فيها علماء ومفكّرون لهم مكانتهم، فكيف اليوم بعد الحادي عشر من سبتمبر ووصمة الإرهاب التي ما انفكّ الإعلام الغربي يتداولها عن الشرق بصفة عامة والعرب بصفة خاصة.. غير أن مجيئها قد نعتبره سعياً منها لتجاوز ما جاء في هذه الكتب والأدبيات والصحافة كي ترى هذا الشرق عياناً، والخروج من عالم التنظير إلى عالم الواقع عموماً هو بداية التجاوز، فها هو العالم أمامها يتشكّل من جديد في مشترك مكاني لا يقتضي تشكّله حروباً أو احتلالاً، ولا يقتضي أيضاً إقصاء الآخر بدعوى المغايرة لجنس أسمى، فالكل يتعايش ويتثاقف في مشترك واحد نموذجي ومستقبلي في آن، وهو بطبيعة الحال يتناقض مع التوجّهات العدوانية لآلة الحرب الأميركية والإسرائيلية التي فتكت بالعراق وأفغانستان وهاهي تفتك بفلسطين وغزة وتهدد وتروّع أمن دول أخرى كلبنان وسوريا وإيران وغيرها من الدول التي لم تنضو بعد تحت لواء أميركا التي رفعت شعاراً قبيحاً بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ينصّ بالحرف بأن: “من ليس معنا فهو ضدّنا”. فيعمل الروائيّ جاهداً لتناول هذه المتناقضات جميعاً، ساعياً في الوقت لإقناع قارئه بأن الحوار المتسامح بين الطرفين قد ينهي المشكلات العالقة، ونموذجه حواره مع كاترين وتجاوزهما لكثير من القناعات بعدما التمسا نموذجاً ممكناً للتعايش والتثاقف هو مدينة ما بعد الحداثة ورمزها أبو ظبي.

وبالرغم من تباين الآراء بين كاترين وزاهر إلاّ أنّهما سرعان ما ينسجمان ويصبحان صديقين، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على استعدادهما الفطري لتجاوز ثقافة الماضي من جهة، ولتأكيد إمكانية التعايش الإنساني بين الهويات المختلفة في مشترك هو العالم، فلا مصلحة لكلا الطرفين في التمسك بهذه الثقافة طالما إنها لم تجلب سوى العنف والكراهية،

وهذا هو محور الرواية وجوهرها.

2 السارد والسارد المتماهي بمرويه.

السارد بضمير الغائب في الرواية يعمل على سرد الأحداث بالتركيز على الشخصيّة المحوريّة زاهر المثقف والباحث العازب، ولا يخفى على القارئ تعاطف السارد مع زاهر، وذلك من خلال التركيز على صفاته الإيجابية، ونظنّ في هذا الصدد أن شخصية زاهر تتطابق إلى حدّ ما مع الروائيّ ذاته، فهو رجل جنتلمان ومثقف مطّلع على الثقافة الغربية، وفيه الكثير من الخصال الشرقية المحببة، فهو كريم مع شيء من الغموض والخجل، على العكس من كاترين التي تمتاز بصراحتها وعفويتها، وسرعان ما تلاحظ أنه حزين، وغير قادر على الابتهاج بالرغم من المناسبة التي تقتضي شيئاً من البهجة، وعندما تشير إلى ذلك يقول لها: “الحزن عمره مثل عمري.. هذا قدرنا.” في إشارة منه إلى فلسطين المحتلة وما يجري فيها من تعديات على أهله وشعبه..

أما السارد المتماهي بمرويه فهو الكاتب زاهر الذي يكتب قصّة لقائه بكاترين برؤية تتشاكل مع مسرود السارد غير المتماهي بمرويه من جهة، وتتباين معها من جهة ثانية، نراه في كلّ فصل يسجّل بعض الملاحظات الإضافية التي تضيء جانباً من هذه العلاقة التي بدأت تتسارع بينه وبين كاترين على الصعيد الشخصي العاطفي أو الموضوعي لما هو سائد من أحداث ترتبط به وبقضية شعبه وبالعالم الذاهب في العنف..

على الصعيد الشخصي نرى “زاهر” يترك كاترين نائمة في منزله، ويخرج كي يمنح نفسه فرصة للتفكير في الأحداث المتلاحقة التي عصفت به منذ لحظة تعرّفه بها وحتى لحظة خروجه من المنزل، حيث إنه لم يحاول استلطافها واستغلال وجودها في منزله.. ومع ذلك لا يشعر أنه أوقع نفسه في ورطة نظراً لأنه في قرارة نفسه يتمناها كصديقة، وبذلك فإنه كان صادقاً في عواطفه تجاهها، بل إنه أشار إلى قدرية هذا اللقاء الذي جاء مصادفة:

منذ فترة طويلة لم يقترب جسدي من امرأة، فكيف إذا كانت مضمّخة برائحة الخزامى؟ بتّ أشعر أن كاترين سافرت ثماني ساعات في الطائرة لمقابلتي، كأنني كنت في انتظارها ذلك المساء.. كأنّها كانت تذرع ممرات “المارينا مول” ذهاباً وإياباً تبحث عنّي..”[3]

بينما يعمل السارد غير المتماهي بمرويه على إضاءة جوانب أخرى لأحوال الشعب الفلسطيني في مهاجره ومعاناتهم المتواصلة إضافة إلى حصار غزة والفتك بشعبها بينما العالم يتغاضى عن كل ذلك الموت مكتفياً بترديد عبارات الإعلام حول الإرهاب، وكأن كلّ هذا القصف والقتل ليس إرهاباً من قبل دولة عنصرية قامت على اغتصاب أرض فلسطين وتشريد شعبها بدعوى الحقّ الإلهي.

3 تجاذبات الذكورة والأنوثة/شرق وغرب

إن لقاء زاهر وكاترين سيبدو لنا بمثابة استعادة لتلك الثيمة التي تناولها عدد من الروائيين كتوفيق الحكيم وسهيل إدريس والطيّب صالح وغيرهم، ولكن إذا كان أبطال هؤلاء الروائيين قد سافروا إلى الغرب طلباً للعلم وخاضوا هناك مغامراتهم مع النساء الجميلات إلاّ أن بطلي

أنور الخطيب سيلتقيان في أرض عربية محايدة نسبياً، وبذلك فإن الشعور بالندّيّة الذي التمسه الناقد جورج طرابيشي لدى أبطال تلك الروايات(4)، قد يكون شعوراً غريباً في رواية “فتنة كارنيليان” وفق ما استجد من متغيّرات فكرية وحياتية في العقد الجديد من الألفية الثالثة، حيث تبدي كاترين اهتماماً ملحوظاً بالمكان وبالعادات والتقاليد وبالشعور بالأمان في عالم غريب عنها تصطدم به مباشرة في مدينة معولمة باذخة بالحياة المتنوّعة وبالنوادي الليلية والمطاعم

العامة: هندية، صينية، إيرانية، لبنانية، غربية، عربية، خليجية، روسية، مغربية وغيرها لتكتشف بأن الناس يمكن أن يتعايشوا في مكان يعجّ بثقافات مختلفة شرط أن تكون المصلحة للجميع.

السارد، بطبيعة الحال، يضيء جوانب عدّة من حياة الرجل الشرقي المثقف، الذي يستطيع التماسك أمام إغواء الأنوثة، فنجده مخلصاً لأفكاره وقيمه الخاصة، معتداً بنفسه فلا يتهالك أمام أنوثتها بالرغم من محاولاتها المتكررة لإغوائه، وبالمقارنة بينه وبين مصطفى سعيد في “موسم الهجرة إلى الشمال”، نجد أن كثيراً من الأفكار حول الآخر قد تغيّرت، وأن موضوعة الانتصار على الغرب جنسياً، بتعبير جورج طرابيشي، ما عادت همّاً مؤرّقاً للعربيّ المنفتح على ثقافات العالم:

ليس بالضرورة أن تكون كاترين قد فعلت ما فعلت لتغوي زاهر، أو تستدرجه إلى حقول ثمارها وبساتين أزهارها، ربّما تعمّدت، فالمرأة في تلك المواقف عصيّة على الفهم، ولا رجل سهل الانصياع، لهذا التقط زاهر جهاز التحكّم عن بعد، بدأ يقلّب القنوات علّه يجد ما ينقذه من استيقاظ الذكر في داخله..”[5]

غير أن جانباً من الذكورة المكلومة سيظهر أيضاً بمجرّد أن يتصفّح أخبار المآسي والمجازر والحروب والدمار.. وربّما هو جانب انكسار الذكورة، الذي أشار إليه جورج طرابيشي أمام الغرب كقوّة غاشمة.

ومن هنا فإن تجاذبات الذكورة والأنوثة ما بين زاهر وكاترين إنما برأينا عبارة عن تسخين ضروريّ لتجاوز هذه المرحلة التي لا معنى لها، إلى الحبّ كمحطة أسمى، وهذا على الصعيد الشخصي، أما على صعيد الثقافات، فإنه سيبدو لنا أن الصراع بين الثقافتين مازال يستمدّ بعض أفكاره من خلال ثقافة التركّز وأحكامها العامة بالنسبة لكاترين، والثقافة النضالية الموروثة من أدبيات السبعينات بالنسبة لزاهر، ولكن على نحو حواري وفكريّ يفتح المجال لتفاهم مستقبلي قد يكلل بالحبّ، لولا أن حدثاً طارئاً يدخل حياتهما على حين غرّة، ونعني به قدوم صديقتها “جين” الأميركية من دبيّ وستبدو لنا أنها ناضحة بثقافة التركّز إياها، فتفضّل العيش في جزيرتها المستقلة بعيداً عن الاختلاط والتفاعل مع المكان وناسه، حيث يشير السارد إلى أن “جين” ظلّت علاقتها محصورة برجال غربيين، وعندما علمت أن كاترين ميالة إلى زاهر تقول لها: هل أنت مجنونة، إنه متوحّش بلا شكّ، وإن أظهر لك كلّ العشق والرغبة..” غير أن كاترين التي صححت الكثير من آرائها بعد لقائها بزاهر تردّ عليها قائلة:

يبدو أنك قضيت كل هذه السنوات في هذه البلاد ولم تكوّني صورة حقيقية عن سكانها… فعلاً أنا غاضبة منه لأنه كان شديد الحرص عليّ، وددت لو غازلني، لو تحرّش بي، لو أسمعني كلاماً متطرّفاً، لو أظهر كراهيته لجنسيتي، لو فعل أيّ شيء يجعلني أتوخى الحذر

معه، لكنه لم يفعل، لقد رجّني من الداخل، أدخلني في حيرة كبيرة، جعلني أراجع أفكاريّ ومعتقداتي ونظرتي للأمور.” (7)

ومن هنا فإن السارد سوف يميّز ما بين كاترين وجين من خلال سلوكهما الذي يعكس ثقافتين متباينتين في الغرب نفسه: ثقافة التركّز وثقافة الانفتاح على الآخر والتفاعل معه.

4 الوجه السلبي للعولمة.

في ظلّ هذا الحوار والتفاعل الخلاّق بين الشرق والغرب، تذهب الرواية باتجاه تفاصيل عديدة يشتغل عليها أنور الخطيب بمهارة لملء مساحات الفراغ بالكثير مما يشغل قارئه حول الشخصيات وارتباطها بمكانها وزمانها، أو بتداعياتها حول فلسطين التي مازالت تعاني من همجية الصهاينة الذين ما انفكوا يواصلون عنفهم المدجج بالأسلحة المتطوّرة واليورانيوم المنضّب، وبالتالي فإن حدثاً مهماً كاجتياحها لجنوب لبنان عام 2006 سيعيق هذا الحوار الهادئ بين الجانبين، بل إن (إسرائيل) ستبدو معوّقاً لكلّ انفتاح محتمل طالما ظلّت أسيرة توجّهاتها العنفية المتطرفة والمعاكسة لمنطق التاريخ والتقدّم الذي تمّ اختباره من خلال هذا المشترك المستقبلي (8)، وبالتالي فإن القارئ سوف يعيش هذه اللحظة من العدوان عبر النقاشات المستفيضة بين الشخصيات الأربع وتصاعد الأحداث مع إصابة جين بذبحة قلبية وتدخّل السفارة الأميركية وتحقيقها معهم بالرغم من أنها شخصية انفعالية ومدمنة كحول ونيكوتين، وبانسحابها من مسرح الرواية تعود الأحداث إلى الهدوء والصفاء بين جين وزاهر وأحمد، وبذلك فإنهم سوف يجتازون بوعي ذلك العنف الذي مورس عليهم سواء بالاستدعاء أو من خلال صراخ جين وهيستريا التركّز، وسيعاود كل من زاهر واحمد استكمال بحثهما المشترك عن إيران في حال قامت أميركا أو إسرائيل بضربها، وعما ستجلبه الحرب الجديدة من عنف في المنطقة مشيرين في الوقت نفسه إلى ما آل إليه العراق من مشكلات بعد الاحتلال الأميركي لها.

ومن هنا فإن تساؤلات الروائي حول الكثير من القضايا التي ترتبط بالجانب السلبي للعولمة، والتي يمكن وصفها بأنها الوجه العنيف لنزعة التركّز الأوربيّة التي تسعى للهيمنة على العالم مجدداً باختراع أعداء وهميين، وإشعال فتيل الحرب في أمكنة مختلفة كما في البلقان بُعيد انهيار المعسكر الاشتراكي، أو في آسيا كالحرب على العراق وأفغانستان، بل في تشجيع إسرائيل المستمر على ممارسة عدوانها ضدّ غزّة ولبنان وبخاصة لدى اجتياحها جنوبه، ستبدو مقنعة للقارئ نظراً لأن هذه التوجّهات العنيفة باتت تهدد مستقبل العالم، بما يشبه العودة إلى النظام الاستعماري القديم عبر السيطرة بواسطة الأسلحة المتطوّرة، والآلة الإعلامية، والتكنولوجيا المتقدّمة التي تمتلكها بما يكفي لإحباط أي مشروع تحرريّ مستقل عنها وعن مصالحها التي ستبدو دائماً أنها غير منتهية، وبتعبير إيناسيو رامونيه: أنه بمقدار ما تجانس

العولمة الثقافات وتختزل الفروق، تلحق الأضرار بهوية الدول وسيادتها” (9) وهو ما أكّدته كاترين تعزيزاً لرأي زاهر: “أتفق معك، ولكن العجلة التي يسير بها العالم لا تعطي لشعوب كثيرة ومنها شعوبكم، فرصة التفكير والتأمّل بما يجري، بل أحياناً أشعر أنه من الصعوبة بمكان السيطرة على الأمور ومواجهة هذا الإعصار المعلوماتي العجائبي الكبير.. أريد أن أقول لك شيئاً، قد لا تتغيّر أنظمة الحكم، ولكن الشعوب قد تتغيّر..” (10)

وفي الختام يمكننا الاتفاق مع وجهة نظر المؤلّف من أن قادة العالم الجدد أو الكبار كما يسمّون مازالوا يغمضون عيونهم عما يصيب العالم من كوارث طبيعية نتيجة لتدمير صناعاتهم البيئة بوسائل خطيرة، أو من كوارث بشرية نتيجة لفساد السلطات المدعومة من قبلهم والجوع والأمراض الفتاكة. ومن هنا فإن تحقيق حلم الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه في فلسطين المحتلة كما يبدو لنا من كلّ هذه المشكلات أنها باتت قضية عالمية لا تخصّ الشعب الفلسطيني وحده، وإنما تخصّ أحرار العالم أيضاً، لأنهم باتوا جميعاً يدركون أن عولمة من هذا النوع تحتاج إلى جبهة عالمية ترفع يداً متحدة وتقول لها كفى وحشية.

 

هوامش

[1]

روائي وقاص وشاعر وإعلامي فلسطيني مقيم في أبوظبي، له عدد من الكتب والروايات منها: الأرواح تسكن المدينة، رحلة الجذور، أبابيل، رائحة النار، صراخ الذاكرة، ند القمر، المدثر، مندل..

[2]

فتنة كارنيليان، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، الشارقة، ووزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، أبو ظبي، 2009. والكارنيليان هو عبارة عن نوع من أحجار العقيق يمتاز بلونه الأحمر والبرتقالي بحسب موسوعة (ويكي بيديا) العربية، يوظّف في الرواية كرمز للمحبّة يهديه زاهر لكاترين.

[3]ص 45 من الرواية.

[4] ينظر مقدمة كتابه: شرق وغرب/ رجولة وأنوثة/ دراسة في أزمة الجنس والحضارة

في الرواية العربية، بيروت، دار الطليعة، 1997.

[5] ص 90 من الرواية.

[6] في كتابه المهم “نحن والآخرون”، يشير تودروف إلى أن “نزعة التركّز على الإتنية مذهب ينصّ على تنصيب القيم الخاصة بالمجتمع الذي أنتمي إليه، كقيم شاملة، وبلا وجه حقّ، فالتركّز على الإتنية هو إن صحّ القول، صورة مشوّهة طبيعية للشمولي، إذ ينطلق هذا الأخير فعلياً في طموحه إلى الشامل من خاصّ يجتهد بعد ذلك في تعميمه..” نحن والآخرون، ترجمة: ربى حمود، دار المدى، دمشق، 1998.

[7]ص 116/117 من الرواية

[8] وبذلك فإن نظاماً يعتمد على حل مشكلاته في المنطقة والجوار بالعنف والحروب سيبدو نظاماً غريباً، ولا يليق بثقافة زماننا الإنسانية، تلك الثقافة التي بدأت أطراف عديدة في تكريسها وتعزيزها عبر الانفتاح الذي تمّ والحوار الذي نشأ، بالإضافة إلى ذلك الحبّ الهادئ الذي تنامى عفوياً ما بين كاترين وزاهر: “ظلّت كاترين تحدّق بعينيه، لم يخف الظلام حزنهما، ظلاّ على هذه الحال أكثر من دقيقة، أكثر من سبعين خفقة، أكثر من ارتباك من رعشة يد، من دوران، لو كان الوقت نهاراً للاحظ ارتعاش شفتيها، ولاحظت تسبيلة عينيه واضطرب صدره، قرّبت وجهها من وجهه، قبّلته على خدّه: شكراً لصراحتك، كأنّك قلت لي أحبّك ألف مرة.” .

[9]ينظر ص 118 من كتابه “حروب القرن الحادي والعشرين/مخاوف وأخطار جديدة” ترجمة خليل كلفت، دار العالم الثالث، القاهرة،

[10] ص 254/255 من الرواية

 

اترك تعليقاً