بين الحقيقة والضلال بقلم: أنطوان يزبك

بين الحقيقة والضلال خيط وهمي من الجهل والرجعية، نسجه اصحاب السيطرة والسلطة !

انطوان يزبك


لم تتوقف سلطات العالم عن نشر دعاياتها بالطريقة التي تحلو لها و تناسبها وتناسب اهدافها ، وتوجٓه الجماهير والرأي العام الى الاهداف التي تخدم مصالحها في كل الميادين: سياسة ،فنٓ، ادب ، اقتصاد و خاصة في التربية ، والاعلام وهنا تكمن الخطورة والخوف من مستقبل مجهول وقاتم .

يقول غوستاف لوبون
في كتابه سيكولوجية الجماهير :

“من يستطيع إيهام الجماهير يصبح سيٓدًا لهم ، ومن يحاول إزالة الأوهام عن أعينهم يصبح ضحيٓة لهم ..”
يذكرني هذا القول المعبٓر جدا ، بأيام الدراسة ،يوم كنت تلميذا في الصف الرابع متوسط وكان استاذنا في مادة التاريخ أستاذا غير تقليدي ، عالما ومثقفا يقرأ لنا المقالات من مجلة الحوادث اللبنانية ،مجلة المرحوم الشهيد سليم اللوزي وايضا يجلب معه إلى الصف مجلة العربي الكويتية ويقرأ لنا المقالات الأدبية والعالمية الراقية الرائعة .
كانت حصٓة هذا الاستاذ هي الأمتع بالنسبة لي وكنت انتظرها بفارغ الصبر ، فالمعلومات التي كانت تتدفق والأفكار النبيهة المنيرة التي كنا نجنيها في تلك الحصة تفوق كل التعليم وكل المناهج الممضة، التقليدية، والكالحة التي كانت بمثابة الحشو في كتبنا وتاليا في عقولنا الفتية !
ولكن ذات يوم حلٓ شيطان الجهل والقمع علينا ،في صفنا والصفوف الأخرى التي يدرسها استاذنا ، فسرت إشاعة أن الاستاذ مهمل ولا يعلم المنهج الصحيح، ويضيع وقت التلاميذ ويقودهم إلى الضلال و كلام آخر يندى له الجبين و كذا وكذا. علما ان الاستاذ لم يهمل يوما المنهج اامقرر بل كان يقوم بواجبه على الأصول واكثر …
لا أعلم من بدأ في خطة محاربة الاستاذ وبث بذور الشك في صدور التلاميذ : هل هم الأهل ،الإدارة، التلاميذ أنفسهم ربما …لا أدري ولكن الواضح أن قرار فصل الاستاذ اتٓخذ ، و بدأ التلاميذ “عملاء الإدارة الأوفياء ” يثيرون الشغب في حصة الاستاذ الضحية و يختلقون له المشاكل والاتهامات حول العلامات التي يضعها وأمور اخرى ومضايقات متنوعة ، يجيدونها باحتراف و ذكاء شيطاني لا مثيل له ، إلى أن جاء نهار وغاب الاستاذ وطالت غيبته لعدة اسابيع ،ثم جاء استاذ بديل إلى الحصة ….
وعندما بدأنا نحن التلاميذ أنصار هذا الاستاذ الفريد بالسؤال عنه ، قال لنا الناظر أنه مريض ، وبعدها قيل لنا أنه اضطر ان يسافر وكلام واكاذيب وحجج تافهة وفهمنا أنه تمٓ فصله وأتى مكانه استاذ آخر من شكل: سطٓر على الكتاب واكتب على الدفتر واحفظ وسمٓع والعلامة عشرين على عشرين فتفرح الماما ويفتخر البابا . وليظلٓ العلم متخلٓفا إلى ابد الآبدين آمين …
اعلموا يا قوم أن اهم اسباب تخلفنا التربوي والثقافي هو الخوف من التقدم وتلك العقدة الأبدية من الحقيقة والمعرفة حتى اذا جاء احد يخرج عن قواعد المألوف نرجمه بالحجارة ونقتله ونستعيد رجعية الماضي وتعاليم بالية نتمسك بها ، إلى أن نفنى معها ويفنى جهلنا معنا أيضا… في فيلم : ” جمعية الشعراء الموتى”
Dead Poets Society
بطولة روبن ويليامز ، يحصل مع الاستاذ الثائر الجديد تقريبا ما حصل مع استاذنا وهذا ما يتكرر ويحصل في كل مكان من مدارس أمتنا المتخلفة !
في الخلاصة نجد أن فريدريك نيتشه يؤكد صحة قول
غوستاف لوبون ، حيث يقول :
‏لا تقع ضحية المثالية المفرطة وتعتقد بأن قول الحقيقة سوف يقرّبك من الناس ، الناس تحبّ وتكافئ من يستطيع تخديرها بالأوهام ، منذ القدم والبشر لا تعاقب إلاّ من يقول الحقيقة ، إذا أردت البقاء مع الناس شاركها أوهامها ، الحقيقة يقولها من يرغبون في الرحيل !! ..

اترك تعليقاً