رسالة إلى صديق لن يقرأها   شعر: كريم معتوق

رسالة إلى صديق لن يقرأها شعر: كريم معتوق

رسالة إلى صديق لن يقرأها

لم يَبقَ من أمسِ الرفاقِ
سوى رحيلِكَ وانتظاري
وحديثِ محنتِنا بغيبةِ مَن نحبُّ
وما يلوِّنُهُ الغيابُ على انكساري
شيئان يختصمانِ في صدري
عتابُكَ كلما انتصفَ الحديثُ
وقلتُ يا وجعي ويقطَعُهُ اعتذاري
لم يبق لي ظِلٌ كظلك
أتقيهِ وأنتمي أبداً إليهِ
فأنتَ كالشجر المطرَّزِ في البراري
كل الأماكنِ تنتقيكَ
فأيَّما رُكنٍ تصافحُهُ عُيوني
فاضَ عن سَعَتي وأَمعَنَ في حِصاري
حين يُربِكُني الفِراقْ
لا حانةُ الشعراءِ تعرِفُنا
ولا الساقي تَذَمَّرَ مثلَ عادتهِ
إذا اكتملَ الرِفاقْ
يمشي ويشْتُمُ كلَّ مَن شَرِبوا مساءَ الأمسِ
لم يَستثنِ من أحدٍ
يُحوْقِلُ ثم يصرخُ وَيْلَكُم
ضاع العراقْ
ونقولُ ما ضاعَ العراقْ
هو ذا هناك يلملمُ الموتى
ويبني موطناً بالتمرِ
نحسَبُهُ أَفاقْ
يمشي ونَضْحكُ إذ يغادِرُنا
ويعرفُ أنّ في الشعراءِ
بَوصَلةَ النفاقْ
****
لم يبقَ من أمسِ القديمِ
سوى الحديثِ عن المعاني المشتهاهْ
ما بيننا أبداً وأكرَهُ لفظةَ الزملاءِ
فارغةً من المعنى ومن عطبِ الحياهْ
نصغي لأكثر مَن يُحدِّثُنا عن الأسفارِ
عن باريسَ عن روما وعن مدريدَ
عن بيروتَ رافعةِ الجباهْ
يروي ونسمعُ دائماً يأتي على أشياءَ
لم نسمع بها يوماً.. ويبكي
ثم نضحكُ من بكاهْ
رجلٌ تحنَّط من ولادتهِ بقريتهِ
ولم يعرفْ سوى سورِ المدينةِ
لم يسافرْ مرةً إلا خيالاً في صباهْ
لتشدَّ مسبحةَ الحديثِ صديقةٌ
تحكي عن العشاقِ مَن ذابوا بفِتْنَتِها
وإنْ زادت نقولُ اللهُ يا اللهُ يا اللهْ
عن شاعرٍ كتب القصيدةَ مرتين لأجلها
ولحبها زرعَ الحروفَ وأمْطَرَ الكلماتِ
في لثمِ الشفاهْ
وعن الذين تنافسوا في عشقها زمناً
وتكذِبُ..
كلنا ندري ونُعلي جهلَنا
لنقول شيئاً لا نراهْ
فالحانُ يلزمه احترامْ
والعمرُ يلزمه احترامْ
هي عانسُ المقهى
وسيدةُ الحديثِ عن الغرامْ
****
لم يبق من شجنِ العتابِ سوى الرمادْ
فرحٌ يلملمُ ما بنا إذ نلتقي
في صالةِ الأدباءِ نفتتحُ الحصادْ
لا شيءَ يعلنُ عن غيابكَ
إذ حضورُكَ يقتفي أثرَ الحديثِ
بكل شاردةٍ يُعادْ
لم يكملِ الشعراءُ من معنى الحياةِ سوى المماتِ
وما يخلِّدُه المدادْ
لا صوتَ أعلنَ عن غيابكَ
لا الرحيلُ أقامَ ساريةً
وأذّنَ في البلادْ
لم نستمعْ لأسى رثاءٍ حاسرٍ رَأَسَ الدموعَ
منادياً أو جاثياً في ركبتيْه على الزنادْ
لا صمتَ أعلنَ عن غيابِكَ مرةً
لا منتدى بيروت أوقفنا الدقيقةَ للحدادْ
****
لم يبقَ في سمعي سوى سردِ الحديثِ
عن الحياةْ
وعن انتظاركَ أن تقولَ ولا تقولَ
وأنتَ تحتكرُ الجهاتْ
لم يخذلِ الشعراءَ، تخبرُني
سوى الأوطانِ والموتى
وكنتَ مجاهراً بالحزنِ تَقتَنِصُ المماتْ
إن غابَ تبتكرُ العزاءْ
ونُفسِّرُ الأحلامَ أو أنْ ندَّعي
علمَ الفراسةِ في النساءْ
لم يبق من أمسي القريبِ
سوى البعيدِ من الغناءْ
وقبيلةُ الشعراءِ تحترفُ الحنينَ
وأنت أقربُ من يديَّ
وأنت أبعدُ من سماءْ
لِمَ لا أرى شبهاً بغيرِكَ
نشرةُ الأخبارِ كاذبةٌ
فلا جوعٌ بمصرَ وأنت تعرفها
تجيءُ كما نشاءْ
وفصاحةُ المذياعِ عن وطنٍ توحَّدَ
أو تفرَّق أو تصالح أو تشبَّثَ بالغباءْ
لم نستعرْ قصصاً من الغرباءِ
أغنيةُ الحياةِ تقودُنا
للصحوِ أو للذلِّ أو للكبرياءْ
لمَ لا أرى وطناً بحجمِكَ
كلما اختصروكَ بالكلماتِ
تكبرُ كالدعاءْ
هي سيرةُ الحُلَفاءِ
في زمن العداوةِ والإخاءْ
ويظنُّ جارُكَ لم تزلْ تسقي حديقتَهُ
فما مِن زهرةٍ ماتتْ، بموتِكَ
أو تَسَوَّرَها البكاءْ
قد جئتُ أرثي بالحروفِ مُفارقاً روحي
فعاندني الرثاءْ

اترك تعليقاً