تأخّرَ الشِّعرُ حتّى بانت الدّمَنُ
وبانَ مَن شرّدَته الرّيح والوطنُ
وجئتُ أسألُ عن ناجينَ قيلَ مضَوا
لا شاهدَتهم مصابيحٌ ولا دُفِنوا
في روح بيروتَ أرواحٌ لهم سَكنَت
فما يقولُ إذا ما استُنطِقَ البدنُ ؟
جلستُ أنظرُها، بيروتُ قد هُدِمَت
بكلّ ما كانت الأحلامُ تحتضنُ
تحت الرّكام أناشيدٌ تمرُّ وقد
على بحارِ دماءٍ مرَّت السُّفنُ
رمادُ بيروتَ قالوا لا يموتُ نعم
لكنّما الحزنُ قد يعيا به الكفنُ
بيتٌ غدَا حجرًا عُودٌ غدَا خشبًا
وهكذا يومَ موتٍ غُيِّبَ الزّمنُ
فأين ذاك المغنّي؟
وأين بيروت منّي؟
وأين شمسٌ بماء البحر تنعجنُ ؟
أين النّوافذُ سَكرى؟
مواكبُ الورد تَترى؟
فما لها غير باب المنتهى سكَنُ !
كم شرفةٍ قد ترامَت
وفي ربى الحسن نامت
فشلّعَتها شظايا الحقدِ، والشّجَنُ
أين الخزائنُ ملأى
حُبًّا كما القمح ينأى
ويَشبعُ الموجُ لمّا جاعت المُدُنُ
ومركبٌ قد تكسَّرْ
لمّا الرّصيفُ تفجَّرْ
وكانت الأرضُ حبلى
وكنتُ كالعشق أُتلَى
تهدّمَت كحطام المركب السُّنَنُ
بيروتُ أحلى المدائنْ
والنّارُ فوق الجنائنْ
فكم شهيدًا تُرى كي يُدفَعَ الثّمنُ ؟
مقهًى من الشُّعَرا
زيّنْتُهُ صُوَرا
واللّونَ والوَتَرا
والطّيرَ والشّجَرا
أنباؤهم قالت النِّترات يُختزَنُ !
شبّاكُنا كان طيرًا حَطَّ جانحُهُ
إذ نُكِّسَت في العُلى الأعلامُ والقُنَنُ
تقبِّلُ الوردَ كالأمِّ التي نزلَت
تقبِّلُ الأرضَ وابنًا لَفَّه الوسَنُ
أمّاهُ لا تندبيني أَمسِكي بيدٍ
في الرّيح يَسقِ الرّبى في صمتِه الحَزَنُ
رُدَّ التّرابُ على قلبي فلا نفَسٌ
لا مُنقِذٌ، وسَقاني الموتُ والوهَنُ
يسرى البيطار 12 آب 2020