قراءة في قصيدة “لا أحد يعرف من انا” لأنور الخطيب
بقلم: الدكتور عماد يونس فغالي
النص
لا أحد يعرف من أنا،
لا الشعر لا النثر، لا الحكايا ولا المرايا
لا النقاد، لا الدارسون،
لا الأطباء لا الأبناء
لا الحبيبات لا الجيران،
لا الأمن، ولا شؤونُ اللاجئين،
ولا كاتب سيرتي،
لا وعيي ولا لاوعي وعيي،
ولا شبحي الذي يسكن ظلي
ولا أنتم
كأني لم أكن يوماً،
ولم يقل لي أحدٌ كن، كي أكون..
من أنا إذن..
حملتني امرأة تشبه الاحتمال،
كانت تمر في شرفة السؤالِ
وألقت بي لجواب عابر كالومضة
قالت انتظر، ريثما أتحقّق من زرقة السماء،
فإن عدت سريعاً سنذهب كي نتآخى مع اللازورد
وإن تأخرتُ أكثرَ من موجتين عد إلى الشرفة ثانيةً،
قد تمر امرأة أخرى أكثرَ احتمالاً..
تأخرت المرأة، لم تمر امرأةٌ أخرى
وظللت بلا صفةٍ،
لا لون لي، ولا رائحةً،
كبلاد في بلادها نازحة
“أنا” العاصية… “كان”!
كأنّما تظنّه يبحث عن “أنا”ه، يلهث وراءَ هويّته، أيِّها، الأدبيّة (الشعر، النثر، الحكايا)، أم الصحيّة (الأطبًاء، الأمن)، أو الاجتماعيّة (الأبناء، الجيران، الحبيبات) أم الحالاتيّة (وعيي ولا وعي وعيي) أم أم… ولا يجد أيّةَ أنا، يتساءل: من أنا إذًا؟
قديمًا، قبل الزمن، في بدءٍ ما، قيل: “أنا هو الذي هو”، فعلُ كان، غيرُ الناقص، “كان” المليء زمنًا، في الماضي، وفي الحاضر كان وفي المستقبل. بلا صفةٍ ولا لون ولا رائحةٍ هو. لكنّه هو، كائنٌ من دون غيره من كائنات، أحيّةً أو أشياء وحالات… هو، المجرّدُ، قاربه الاحتمال عسى تآخٍ، ولا تآخيَ طاله… هو فوق الانتظار، خارجَ الوقت، لا يمسّه تأخّرٌ ولا عَود… لا احتمالَ آخر، لأنّ الهويّة نهائيّةُ الكينونة، حقيقةٌ لا يجدها ال “كان” إلاّ في ذاته… “كبلادٍ في بلادها”، حالّةٌ، اعذرني صديقي الشاعر، لا نازحة.
أنور الخطيب، اللازورديّ الكلم، لم تأتِ المرأةُ لتتآخيا مع اللازورد، لأنّك لازورديُّ الحضور والكلم، هي الحاجةُ تتآخى، تأخّرتْ، في نقصِ كينونتها… وتبقى كأن المولود في المحسوس، “لا أحد يعرف من أنا”، في “أنا”كَ خاليًا من محسوس. لا تشبهه، لا يقربكَ… كأنّكَ لم تكن يومًا، كائنٌ وحسب، دائمًا، وعلى العالم، فوقه…
جميلٌ أن يرى المفكّرُ نفسَه قائمًا في ذاته. جميلٌ أن تراكَ “أنت”، في حالكَ…
هؤلاء التذكرُهم في القصيدة لا يكونون زخارفَ نصيّة في السياق، هم يدخلون منطقةَ الكائن في عالمهم، قولكَ لا بعرفونكَ يبقيهم على عتباتِ أنتَ من دونه…
أنور الخطيب، لا يعبَّرُ شعرًا عن حقيقةِ ال “كان” أجملَ ممّا أتيت. أقول لكَ أنتَ تحياها… أنتَ الحقيقةُ كان في انعتاقها، لا… في حالتها المنعتقة هويّةً… التعبيراتُ حتمًا من عالمها (التعبيرات)، يؤمّها فتخرجه إلى فوق اللها…