قراء في ديوان حنوناً كياسمين الظهيرة لانور الخطيب
بقلم: الدكتور عماد يونس فغالي
حنونًا كهُوَ، الشعرُ الأنوَريّ
هل شِعرُ أنور الخطيب، الحنون كياسمين الظهيرة، أم هو أنور نفسُه ينسكبُ شعرًا حنونًا؟ أنورُ في مجموعته الشعريّة “حنونًا كياسمين الظهيرة، هو شِعرُه نفسه، حنونًا كهو، ياسمين الظهيرةِ يشبهه.
في حدّةِ شمس الظهيرةِ، الياسمينةُ الوادعةُ في طبيعتِها، تحنُّ على نفسِها مقتبلةً تلوّياتِ العامل الطبيعيّ بطواعيةٍ هادئة، تفوح عطرًا في أرقّ عذوبته…
الشعرُ في يراعةِ أنور، على صفحاتِ “حنونًا كياسمين الظهيرة”، هو عنوانُ المجموعةِ نفسها… تقييم شاعره قيمته الحقّة.
قد يبانُ الجوُّ الحزينُ طاغيًا على القصيدةِ في الديوان، لكنّ القفلةَ بعامّةٍ تدعو إلى أملٍ دائم، ما يعدُ بحياةٍ تغلب.
لافتةٌ قصيدةٌ بعنوان ” النصّ ما قبل الأخير” في هذا السياق. رفضُ الشاعر بلوغ “النهايات” وإنْ خوضًا، دليلُ إبقاءِ النبضِ فاعلاً، وهذا فعلُ مقاومةٍ لقناعةٍ أنّ الظهيرةَ تميل، والأنفاسُ تنتعشُ، والياسمينةُ تستعيدُ رونقَها في الحنان، كلِّه!!
“إلى غزّةَ… فهي تهيّء للصبح قوافيه”. ألِغزّةَ المجموعةُ كلّها؟ ومن وحيها القصائدُ والنصوص جميعها؟ قد يجيب الشاعرُ نفسُه بالإيجاب. ما حالُ النقّاد بعد؟ يحلو لي من بعيدٍ تخيّلُ المجموعةِ تُكتب بغير تأثير غزّةَ ولا ترمي إليها. لا أجدُها في انتقاصٍ شعريّ أو تناقصٍ جماليّ. لكنّ الإهداء دلاليٌّ في امتياز، ومتناسقٌ مع الحبكة النصيّة. “إلى غزةَ” مع ما ترمز إليه من عدوانٍ آثم ومعاناة، تبانُ لا تنتهي، ينظرُ الشاعرُ أفقًا نورانيًّا “تهيّء للصبح قوافيه”. في حالكِ الظلمةِ يعاينُ النور صبحًا، غزّةُ نفسُها تهيّء له القوافي مائدةَ جمال. الصبحُ ليس مجرّدَ نور، هو حالةٌ نورانيّة متكاملة… هذا هو أنورُ في قصائده: “ستنقشُ وشمَ البلادِ على جسدي،
لأكونَ غدي… وأطير”. (النصّ ما قبل الأخير). ” إلى حوريّاتُ النعيم… حيث الله يعذّبُ الغاوين بالغاوين (اغتيالُ الشعر).
تغلبُ على قصائد الكتابِ مسحةُ الكآبة، كأنّما الشاعرُ لا يبتسم. وإنْ يفعلْ، يبَنْ أقلّه مؤقّتًا وغير دفّاق. الشاعرُ يحكي قصّتَه في السياق النصيّ كلّه. يعبّرُ مِدادُه عن صدق حالته، شفافيّتِها في امتياز. الشاعرُ يتفاعلُ مع التقلّبات، خصوصًا تلك الواجعة. هي وقودُ يراعه الحقيقيّ. في “حنونًا كياسمين الظهيرة”، وفي كلّ شعره، أنورُ الخطيب يحكي معاناته مع الواقع، تقرأ تجرّعاتِ العلقم في بَوحه الدفين، يطفو على تكوينات القصيدة عبر جماليّة لا تشبه إلاّه.
عندما يكلّم المرأة، لا تحسبْه يكتبُ الغزل. هي جزءٌ من مخاطَبةِ نفسِه. وقد تكون المرأةُ المخاطَبة نفسَه أيضًا، تأخذُ دورَ “الآخر”، يحدّثها عن حاله… يستعمل معجم الحبّ، لكنّه يمرّ في جانبه، فريدًا في صياغته:
“سأنام بلا حلمة اللحن عند مقام الحبيبة…
ستنامُ حتى التاسعة بنصف كابوس،
وأنا سأعترضُ النهارَ عند مفترق الجسد”.
“لا تقلقي سيّدتي إن أكثرتُ من غيابي…”
ويُتبع قصيدتَه بمضمونٍ آخر…
شعر أنور الخطيب “حنونًا كياسمين الظهيرة”، هذا ما تقع عليه في الغلاف الأوّل. أخالني في تعريف الكتاب. شعرُ أنور ما تمسكه في يدك. دأبُ أنور الشعرُ الحديث، لا تقرأه، ينسابُ في إيقاعكَ الداخليّ، يأخذُكَ في دهشةٍ متواصلة. قد تتعب، لكنّ برَّ الأمان على قابِ قوسين. تلتقي بين الأسطرِ بعضَ قافية في شبه وزن. لكنّ الصورةَ تغلبُ دائمًا… الاستعارةُ وارفةُ الظلال البلاغيّة… الأسطورةُ زائرةٌ في انتظام.
أمّا الفكرُ في السياق يشهدُ عبر المشهد كلّه، كم يثقلُ أنورُ ثقافةً وينضح. عالمُ الشعرِ الأنوريّ سفينةٌ تختصر في متنها، المدينةَ في تكوّناتها… لكنِ الجماليّة الفنّيّة، الغنيّة التذوّقاتِ الإبداعيّة… ولن أضيف.
أنور الخطيب، أبحرتَ بي في توقيتٍ دلاليّ، الظهيرةُ عصيّةٌ على الخفاء. لكنّكَ حنونًا تُدير الدفّةَ ياسمينًا، فوحُه جاذبيّةٌ مطلقة… حبّذا كم دعوةٌ لازدياد!!
https://www.elmashhad.online/Post/details/168408