النص كتهمة والتلقي كتفتيش بقلم ياسر دحي

النص كتهمة والتلقي كتفتيش:

بقلم: ياسر دحي


إننا نمارس عملية التلقي كما يمارسها “المفتش” في عملية التفتيش. إنها “عملية تحقيق بامتياز”. التعامل مع النص هنا ليس تعاملا مع النص في ذاته ومساحة الإبداع والجمال التي فيه، بل للتحقق من حجم الصواب والخطأ وهل هو مع أم ضد. إنه تعامل مع النص ليس بوصفه عملا إبداعيا بل بوصفه “تهمة” يجب التحقق منها، يجب التحقق من وجودها أو عدمها. وحتى ذلك الحين سيظل “النص” متهما حتى تثبت براءته.

إننا نتعامل مع النص المخالف و الكتابة المخالفة كطريدة يجب اللحاق بها لا لشيء ولكن لتصفيتها والخلاص منها. إن البنية النفسية لدى المتلقي هي التي تحرك كل أشكال المطاردة لأي نص مخالف، مجهزة بذلك بكل “أجهزة المعتقدات وشبكات التفكير” وأسلحتها الفتاكة للإجهاز عليه والتخلص منه، وبالتالي للإجهاز والتخلص من صاحبه.

و “المتلقي” في سماء ثقافتنا السائدة “كائن غريب الأطوار” فهو مزيج من قاضي، مشرع، فقيه، قارئ، واعظ، خطيب، ناقد، قانوني، كاتب، عقائدي، طائفي، وطني،أممي، شيوعي ، رأسمالي ، إسلامي، ليبرالي، مبدع، متبع، مبتكر، و مقلد ومجدد، مؤيد للحياة وللقت/ل في الآن معا، يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ثم يقت/لهم جميعا في لحظة خلاف.

إنه شبكة من التناقضات، ولا “فنَّ” لإدارتها. إنه فوضى “مثالية” تامة وكاملة، أقرب إلى قذيفة، أو مسدس، أو بقايا لأشلاء مختلفة تم تجميعها أو ترقيعها من أزمنة وتواريخ مختلفة لتكون في ثوب واحد. فأنت لا تدري أمام هذا الكائن أين الحد الفاصل بينه وبين كل ما سبق.

إنه “خلط”وخليط” و “مزيج” “لزج”، “رخو ” “مفلطح”، و “مسطح” لا أبعاد فيه، لاأعمدة، لا قوام، عقله تكعيبي الشكل لذلك لا تستطيع القبض عليه، وحتى لو فكرت مجرد التفكير على أن تقبض عليه، فهذا “محرم” تحت سمائه، فهو فقط من له الحق في ذلك، كما أن له قدرة عجيبة في محاكمتك أو “صيدك” والحصول على تصفيق الجميع له بهذا الصيد. إنه مبدع تام التقليد أو مقلد تام الإبداع، له قدرة عجيبة لابتكار “الجثث” واستدامتها. إنه مبتكر الرماد في سبيل “الذهب المنتظر”، لذلك هو يعيش في المناجم ولا شيء إلا الفحم في يومياته.

اترك تعليقاً