نكبة!
أنور الخطيب
في كل عام
في منتصف الشهر الخامس
نصاب جميعنا بالزكام
لا نجرؤ حتى على العطس
أو السعال،
تحمرّ عيوننا
تهرشنا أنوفنا
نصاب بحكة في الروح
نفتح الجروح
تطل برأسك يا أيار
كالثور المنهك
في ساقية المنفى،
ننحت فوق لافتاتك “عائدون”
وفي نهاية النهار ..
نتعاطى الأفيون..
****
في كل عام
في منتصف الشهر
بالقرب من قبرٍ مملوكٍ لأمي
أطل من شرفته الثكلى
على قبور مملوكة لأبي
وأخي
وجدتي
وعمّتي
يهتف حراس الموت:
“صرت ثرياً!
تمتلك الآن الأرض
وما تحت الأرض
وما فوق الأرض”.
يلكزني حارس الآخرة
يحتضن الغصة الجارحة:
لا تملك إلا وترٍ في حنجرة اللحظة
ينشج بالفاتحة..
****
في كل عام
في منتصف الشهر
يزدهر العهر
تزحف “الضاد” على بطنها
تدبّج في الليل مراثي المكر
لأبناء الريح
تُلقمهم آيات العزة
من أقذر ركن في “الغرزة”
يصمت كل الغرباء
يستلون مفاتيح بيوت صارت أطلالاً
يتوارثها جيل ينسى
وجيل يأسى
وتظل القبّرة الخرساء تدور
في الديجور..
***
في منتصف الشهر الخامس
من كل عام
تقوم قيامتي وحدي
وُلدت بعدها بستة أعوام
في العام السابع
استويت على عرش ركامي
لم ابارك أحداً
لم يباركني أحد
لا أحد مباركٌ في الغياب الطويل
سوى اللعنات،
تمشي بموكب تخاله مقدساً
ويباركها الملعونون..
هي القيامة إذن،
بدأتْ منذ سبعين عاما
منذ أن كنت رغبة في عينيّ أبي
وأنا هائم،
كلما طلبت نجدةً من الطريق
المؤدي إلى ذاكرتي.. شعّبوني
فأرسل نصفي بدربٍ
ونصفي الآخر في الدرب الآخر
يلتقي النصفان في درب ثالثة كغريبين
ولا أسأل: من أنا
أعلّقني على درب رابعةٍ
كي تراني قوافل الحج
رأوني، وأنكروني
صرخت خلفهم:
أيهاالسائرون في دمي،
الطوافون حول دمي
لا أريد أن أترجل،
شيّدوا ما شئتم من العماء
أيها الصاعدون إلى بركة الرجم
لا تصعدوا كثيراً
عبؤوا الحصى في جيوب جلابيبكم
واهبطوا إلى أول الخطو
وافرغوا أحمالكم..
وثبّتوا على رؤوسكم تيجان الشوك
واصلبوا أنفسكم
لن تمر أمهاتكم باكيات،
لن يصرخن أمام (الحجاج)،
وحده المغني سيبقى يغني
وينفخ في نايه المقدسة،
يحضّر أرواح النازحين
قبل منتصف الشهر
قبل ايار
قبل الدمار
ويقيم حفلة أحضرها وحدي
أصنع فيها آلهة من تمر
تتلذذ في التهامكم..
***
في كل عام
في منتصف الشهر الخامس
أحتسي الكلام القديم كله
ولا يدور رأسي
تنبت في كفيّ نوايا الفأس
ياااااااااا إلهي
كم راسا يلزمني كي أعبّد الطريق
إلى الذاكرة؟
يلزمني أكثر من سبعين رأسا
ولعنة سافرة..
….