١٣ نيسان
ذكرى اندلاع الحرب الاهلية
إن الاقتتال الطائفي الذي عشنا ويلاته في لبنان هو تظاهرة لبنانية من حيث الأساس، والعنصر غير اللبناني ،سواء كان عربيا ام اقليميا” ام اجنبيا”, هو عنصر مضاف وتابع للعنصر اللبناني الذي يبقى العنصر المحوري في هذا النوع من الاقتتال
بقلم: أسد غندور
في ١٣نيسان من العام ١٩٧٥، ارتكبت مجزرة في عين الرمانة،احدى ضواحي مدينة بيروت، جاءت بعد فترة قصيرة على استشهاد المناضل معروف سعد ، فكانت الصاعق الذي فجر أسوأ حرب أهلية بأحط مظاهرها ، من خطف على الهوية، وتعذبب ،قتل،تمثيل بالجثث، نهب وتدمير وهدم،قصف عشوائي، ابادات جماعية…. حرب اندلعت في مناخ سياسي، محلي واقليمي، كان ينذر باحتمالاتها، ثم انتشرت بسرعة هائلة لتعم المناطق اللبنانية كافة ، تشعل النار في هشيم الصيغة الطائفية ل” التعايش” وتزعزع اركان النظام المستند على الصيغة تلك ، وتهدد الكيان اللبناني المأزوم تاريخيا” برمته .
هذه الحرب القذرة، لم تكن عارضة ، بل على العكس كانت احتمالأ” مطروحا”على الدوام، تتزايد فرصه وتتضاءل تبعا”لحركة التوازنات الطائفية الهشة السائدة. فما هي العناصر الداخلية والخارجية التي لعبت في هذه الحرب؟!،وبالتالي ، مامدى صحة التفسير المؤامراوي للحرب الطائفية القذرة هذه ؟! ، ولماذا وكيف قبلت الاطراف المتقاتلة وقف اطلاق النار والتوصل الى صيغة تسووية طوائفية اوقفت نيران الحرب، وخدرت المجتمع اللبناني الممزق بكل أطيافه ، وسمحت لتدخلات خارجية ، اقليمية ودولية ، عانينا ولا نزال منها الكثير، وبشكل فاضح ، وسط اجواء من الشحن والقلق والاصطفافات الطائفية البغيضة ، وتبعية هذه الجهة او تلك الى هذا الخارج او ذاك، وفي ظل مشاريع دولية _ اميركية تهدد استقرار المنطقة برمتها وتدفع نحو زعزعة وتفتيت الكيانات العربية المصطنعة اصلا والقائمة بالأساس على مرتكزات ثلاث : الطائفية_ الفساد _ والارهاب ، وتعد برسم خريطة جديدة للمنطقة و بانشاء دويلات طائفية ومذهبية واثنية هشة، مرة بالعلن، ومرات تحت شعارات الفدرالية واللامركزية المطلقة : دويلات ضعيفة وعاجزة تسودها ” الفوصى الخلاقة” ، وتكون الدولة العبرية الصهيونية هي الاقوى من بينها والاشد ….كل ذلك في ظل عالم ممزق وعلى ابواب حروب دولية مدمرة على المستوى الخارجي،وهيمنة طبقات سياسية فاسدة ،نهابة، طائفية، مذهبية، قبلية،مهترأة ومرتهنة على المستوى الداخلي، وفي ظل غياب جبهة وطنية سياسية فكرية ثقافية واسعة قادرة ، تحمل مشروعا جديا متكاملا لمواجهة هذا الواقع وتلك التحديات، وتستطيع ان تحتضن كل الوطنيين والشرفاء على مساحة الوطن ، القادرين بوعيهم وانتمائهم الوطني على تجاوز كل العصبيات الفئوية الضيقة الأفق المميته، طائفية كانت ام عشائرية ، محلوية ام حزبوية متأخرة …
لقد علمتنا التجارب التاريخية بأن لا نمنح شعبنا لحظة من الوهم والخنوع والاستسلام ، بل يجب ان نجعل التأخر والاظطهاد القائمين اشد وطاة بان نضيف اليهما وعي هذا التاخر ومكمن قوة هذا الاظطهاد … وانه يجب ان نجعل العار الذي يلاحقنا في كل لحظة اشد شينا” وقبحا” بنشره على الملأ ، وان نعلم الشعب الذعر من واقعه المرير والمخيف والمميت كي نعطيه الشجاعة والقوة والوعي الكافي لمحاربة هذا الواقع ودحض كل مسبباته وعناصر قوته داخلية كانت ام خارجية.
يقول كلاوزيفتس :” الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى” .ومن يتامل المسرح السياسي اللبناني اليوم ، والذي هو استمرار بوتيرة اشد مما كان قائما منذ تكوين النظام اللبناني ولغايته، والتناقضات العميقة التي تخترقه والتوتر والتأزم متفاوت الحدة الذي يخيم عليه ، والتبعيات والانهيارات الاقتصادية والمالية والنهب الفاضح والمكشوف، وغياب السلطات الدستورية بالكامل، وكوارث التعليم والبيئة والكهرباء والمياه والدواء وكل مقومات الحياة ….لن يفاچأ بالتأكيد كيف انفجرت الحرب الطائفية في نيسان ١٩٧٥ ، والتي تهدد حاليا” بالانفجار في كل لحظة .
ففي درجة معينة من السخونة والتأزم السياسين تصبح الحرب الشكل الوحيد للسياسة ، وهذا ما كانت عليه حال لبنان عشية الحرب ، وهذا ما نراه بالأفق في ظل اجواء التوتر والاصطفافات والتدخلات الاقليمية والدولية والمشاريع السياسية المشبوهة والخطيرة المرسومة للمنطقة بأسرها .
فعندما يكون بلد ما مؤلفا، او بالأحرى مركبا” ، من مجموعة اطراف مذهبية وطائفية تفتقر الى اللحمة الوطنية ، وعندما يسمح توازن معين في نسب القوى لطرف طائفي، لهذا السبب او ذاك، ولأهداف ضيقة ومصالح خارجية، بالتحرك لتعديل النسب القائمه بنسب اخرى اكثر مواتاة له.. عندئذ يصبح الانفجار شبه محتوم…..
لذا، فالتفتيش عن طرف خارجي يلقى على ظهره وزر الحروب الأهلية الطائفية محاولة ماكرة وخادعة ومفصوخة معا”.
ففي الحرب القذرة التي عاش اللبنانيون فصولها على مدى خمسة عشر سنة متتالية، بكل بشاعتها وكوارثها وتداعياتها …هذه الحرب، لا ” اليسار الدولي” اثارها، ولا الامبريالية اثارتها ايضا …بل انقسام وتوتر واوهام طائفية ضيقة هي السبب الاول والأخير لاندلاعها ، وهو ما فرض توقفها بشروط تحسينية لهذا الطرف الطائفي او ذاك، وهو الذي يهدد باندلاعها من جديد .
ان التفسير المؤامراوي الذي كثيرا ما تروج له الأطراف المنخرطة في حرب طائفية يعكس اما محاولتها التملص من مسؤوليتها في هذه الحرب او يعبر عن قصور وعيها لعمق وحدة الانقسامات والمشكلة الطائفية القائمة.
ان الاقتتال الطائفي الذي عشنا ويلاته في لبنان هو تظاهرة لبنانية من حيث الأساس، والعنصر غير اللبناني ،سواء كان عربيا ام اقليميا” ام اجنبيا”, هو عنصر مضاف وتابع للعنصر اللبناني الذي يبقى العنصر المحوري في هذا النوع من الاقتتال
لقد أعدت ابحاث كثيرة ، وكتب العديد من الدراسات والمقالات والكتب، وعقدت المؤتمرات والندوات والخلوات لمناقشة اسباب الحرب الاهلية التي شهدها لبنان وتداعياتها . الا انها جميعها لم تتوصل لغاية اليوم الى وضع الاصبع على الجرح. فالنظام اللبناني ، بطبيعته وتكوينه ومرتكزاته وبتوازناته الهشة ، نظام مازوم على الدوام، وان التغيير الديمقراطي وامكانية بناء الدولة الوطنية الواحدة والموحدة العصرية والمتماسكة ، يواجه طريقا” مسدودا” ، والطائفية هي بالأساس من يسد هذ الطريق ويعيق سلوكه . وان القضاء على الطائفية وتجاوز أثارها السلبية ثقافة وتشريعا” واقتصادا” وسياسة يمثل البدوة لأي تغيير حقيقي ورافعته الاولى..فالطائفية هي المحور الذي تدور حوله كل الأزمات الشديدة ، التي يستغلها الخارح بعهره ومكره وخداعه لتمرير سيطرته وفرض مشاريعه العدوانية….العلة في بنية مجتمعنا الممزق والمريض، فما ان تظهر أزمة ما قوية او ضعيفة ، حتى تاخذ بعدا”طائفيا” وتفرض بين اللبنانيين انقسامات عامودية بصرف النظر عن طبقاتهم الاجتماعية وعن اسباب تلك الازمة، وعن نوايا البعض الوطنية، مما يسمح لتدخلات خارجية متعددة الاطراف والاهداف والمصالح .
واليوم، فان عمق الازمة التي نعيشها، والعجز في انتخاب رئيس للجمهورية، ووقف الانهيارات المتسارعة ، والتشنجات التي يعبر عنها البعض بطروحات تقسيمية مذلة، والكوارث الاجتماعية التي يتخبط بها الشعب اللباني وانهيار معظم المؤسسات الوطنية وعلى راسها التربية،..كل ذلك ياتي في سياق تصاعد الأزمة الداخلية العميقة الجذور وتعبيرا” عن درجة خطورتها، والتداعيات الكارثية التي يمكن ان تؤدي اليها .
ان المواطن اللبناني، الذي عاش كابوس الحرب الاهلية القذرة، او الذي تأمل مجرباتها عن بعد، كان يشعر ولا شك ان كل يوم من ايامها الطويلة البشعة يشبه ايام هزيمة ٥ حزيران ١٩٦٧ .. .كان الشعب العربي في لبنان، او في خارجه، يهزم كل يوم من أيام هذه الحرب ، ينحط وعيه ويتقهقر في كل لحظة من لحظاتها…..فلا تدعو الحرب تتكرر ثانية …وكفانا هزائم وتقهقر وانحطاط…واعملوا بكل اراداتكم ووعيكم وامكانياتكم للحفاظ على السلم الأهلي….وتعالوا نفكر معا” ونتحاور بهدوء لاعادة بناء الدولة الوطنية وترميم عمارة مجتمعنا والتخلص نهائيا من درن السرطان الطائفي القاتل.
اسد زين غندور
٢٠٢٣/٤/١٣