رأيته بقلبي حين قابلت ابنه، واستعدت صوته الإنساني الشعري حين استمعت لابنه، عانقت الإبن فحضرت (المُكلّا)، وسال الحديث كالماء فوق الرخام. تجسّد صديقي الشاعر الغائب سعيد دُحيْ منذ أكثر من عقدين في صورة ابنه الشاعر المميّز ياسر دُحيْ، التقيته منذ أكثر من شهرين في أبوظبي، وحتى الآن، لا أدري إن قابلت (سعيد أم ياسر). أستطيع التفريق بينهما حين أقرأ للأب (سعيد دُحيْ):
يقول لي رفيقي الحزين:
وددتُ لو أطير في السّماء/ وأمتطي النجوم والفضاء/ كيلا ترى عيناي
صفاقة البشر/ نذالة الإنسان في مثواي.
وددت لو أطير/ مجاهداًمصارعاً في زحمة الأثير/ أسدّد الرماح في القلوب
أمزّق ألكباد/ وأنثر الشهب/ لأحرق النفاق…
وأقرأ للإبن (ياسر دُحيْ):
أمشّط ذاكرتي/ بما هيّأ الله لي من حواس/ لا شيء معي حتى الآن/
كلّ ملائكة الرحمن/ هربت مني/ حين رأتني/ أمشّط ذاكرة الإنسان..
…
أمرّ كالخيط الرقيق/ بين الضوء والظل المستفيق
أنا البين بينٌ في كل شيء.
….
النص الأول من (الأعمال الشعرية الكاملة لسعيد محمد دُحيْ)، والنص الثاني من ديوان (مليء بالرمل مليء بالمرايا) للشاعر ياسر سعيد دُحيْ، وستكون لي وقفه مع ديوانيه (مليء بالرمل مليء بالنوايا، والبحر لا ينام)، فهو شاعر يتجدّد بين نصٍ وآخر.
ما يهمني الآن هو مواصلة الإبحار في الأعمال الكاملة للشاعر الغائب الحاضر سعيد محمد دُحيْ، علّني أستعيد صوته حين كنا نتجاذب أطراف الحديث في جريدة الاتحاد في أبوظبي، التي غادرتها في العام 1998 للعمل في مركز الإمارات للدراسات البحوث الإستراتيجية، وغادرها سعيد عام 2000 إلى خالقه، وهو لم يزل فتيّا. هنا جزء من قصيدة كتبها الشاعر في العام 1973 بعنوان (عتاب قصير).
كأنكِ لم تعرفيني/ وما دارت حروف اسمي على شفتيكِ
وما كنتُ يوماً أعابث قلبي على راحتيكِ/ زماناً نهيم معاً فوق عشب الهوى
ونقتات من بسمات كلينا.
…..
وهذا مقطع من مقطع قصيدة (الأشياء لا تعود..)
هذا زمنٌ يدعوني أن أسقيكم من دمي القاني
أو يحفظ من دنّ يشرب منه الآتون من الحاضر والماضي
هذا زمن يدعوني أن أصلب نفسي كي أرتاح وأنسى/ كل عذابي
أو يعرفني الآتون من الأعماق بأني من أجلهمو اشقى وأعاني.
هذا زمن قاس يا خلاّن صفائي/ تتداخل في لحظات كل الأشياء المرئية
وتمرّ بعيني كل الأوان القزحية
فيها عدد لا يُحصى من ألوان حياتي.
يا خلاّن صفائي/ هاتوا لي رساماً من عهد لا أعرف اسمه