يريد العرب والفلسطينيون أن يكون الكيان الصهيوني المسمّى بإسرائيل رحيماً، ألاّ يقتل ولا يحرق ولا يهدم المنازل على رؤوس ساكينها ولا يقتلع أشجار الزيتون من الحقول، ولا يقتل الأطفال، وإذا ما نشبت حرب يخبرهم بتوقيتها، ويعلمهم بالأهداف التي يريد قصفها كي يخلوها، وأن تكون حربه نظيفة فلا يصيب أطفالا ولا نساء ولا مسنّين. وأن يلتزم بالقوانين الدولية واتفاقيات جنيف في حماية المدنيين.
كل صراخهم واحتجاجاتهم تنصب على توجيه النقد للعدو بأنه لا يلتزم بكل ما سبق، ولا يعلمون أو لا يريدون أن يعلموا أنه يمارس وظيفته كعدو على أكمل وجه، يقتل القيادات ويقصف البنايات والمدارس وسيارات الإسعاف ولا يفرّق بين مدنيين وعسكريين، لأنه يعتقد، كما يفعلون هم تجاه الإسرائيليين، أن الفلسطينيين جميعهم يريدون تدمير (إسرائيل) ويقذفون بها في البحر، فالمجتمع الفلسطيني مجتمع عسكري وفق الرؤية الصهيونية، وطفل اليوم هو مقاتل الغد، والمرأة الحامل أو غير الحامل تلد (الإرهابيين)، فالفلسطيني عدو والتعامل معه لا يكون إلاّ بالنار والقتل والأسر، ويجب إبادته لأنه يشكل ببساطة خطراً على (إسرائيل)، وما الاتفاقيات والمعاهدات التي يوقّعها سوى تكتيك ولعب بالوقت، حتى يستكمل مهمته وهي: فلسطين بلا فلسطينيين. والفلسطيني أيضاً في قرارة نفسه يريد فلسطين من دون إسرائيليين. أما السياسيون فلهم رأي آخر ويرون أنه بالإمكان التعايش مع الإسرائيليين وإقامة دولة إلى جانبهم، بل إن الحالمين يذهبون أبعد من ذلك، كأن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة واحدة في ظل نظام ديمقراطي. وكأنهم يفقهون ما هي الديمقراطية ويعرفون ما هي المحاسة والرقابة والمكاشفة وتداول السلطة. ويكفي عدم فقههم لذلك أن يكون كفيلا بعدم تحقيق الحلم السريالي.
الفلسطينيون وإن كانت لديهم سلطة وطنية (وهي ليست وطنية بالمعنى الأخلاقي)، يرزخون تحت الاحتلال، والوهم الذي يعيشون في أحضانه يجعلهم ينظرون إلى غزة وسكانها على أنهم أشقّاء كأي شقيق عربي يقطن في المغرب أو الجزائر أو في الكويت، وقد وقعت أكثر من حرب على غزة، وكان موقف السلطة كمواقف الأشقاء؛ إدانة وشجب، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل والضغط على (إسرائيل)، أو عدم استخدام القوة المفرطة مع الفلسطينيين، يعني ذبحهم بلطف ورقة.
والآن، في الحرب الأخيرة على غزة في 5 أغسطس 2022، ويحلو للعرب وللسلطة الفلسطينية تسميتها بأنها حرب على حركة الجهاد الإسلامي، وجاء حياد حركة حماس ليرسم ألف علامة استفهام، مع إشادة إسرائيلية بحياديتها، وتسرّبت أخبار عن قيام حركة حماس بالتواصل مع مصر لتحقيق هدنة ووقف القتال، أي تحولت إلى وسيط بين إسرائيل وشعبها الذي يُقتل.
أيها العرب الناعمون، وأيها الفلسطينيون المترفون، العدو هو العدو، لا رحمة ولا شفقة، وإذا كان بمواصفات الكيان الصهيوني، فهو عدو عقائدي تقول تعاليمه بقتلكم جميعاً، وتشريدكم جميعاً لبناء دولته الكرى. وهذا العدو ليس (إسرائيل) فحسب، إنه الصهيونية التي تضم الدول التي تستنجدون بها، والتي تسمونها المجتمع الدولي، وهو الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي عجز عن تنفيذ قرار واحد طوال سعين عاماً، فاصمتوا إن كنتم غير قادرين على المواجهة، فتصريحاتكم وكل ظهوركم الإعلامي ينم عن شيء واحد فقط وهو أنكم تلعبون بعقول الناس، وقالها آرييل شارون سابقا: (أندهش من العرب، يوقّعون على شيء، ويصرّحون بشيء آخر).