لم أحاول يومًا أن استغلّ رسالتي الثقافية والإعلامية في سبيل جني المال والأرباح وكنت دائمًا اعطي من مالي وجهدي في سبيل تقديم ما يتناسب مع مبادئي وقيَمي وذلك جعلني أفوّت الكثير من الفرص المهنية التي كان من شأنها أن تسحب من رصيد قناعاتي وتضيفه إلى حسابي البنكي. لم يكُن المال غايتي يومًا إلّا أنني كنت أتمنى أن أملك الأكثر لأعطي أكثر.
ما وصلنا إليه في لبنان اليوم جعلنا جميعًا عاجزين عن العطاء، كما أنني لم أعد قادرة على إشباع احتياجات قناعاتي كي لا تضعف أمام المغريات التي تخالفها.
لا اتخيّل نفسي يومَا أنني أقدّم برنامجًا ترفيهيًّا هابطًا أو ساخرًا حتى ولو حصل على أعلى نسبة مشاهدة ولا اتخيّل أبدا أنني استطيع تحويل دار النشر إلى مؤسسة غايتها الربح أو أن اشتري وأبيع القصيدة، لذلك ولكي احافظ على هذا الرصيد الذي لا أمتلك غيره قرّرت أن أحتفظ بمساحات الشعر والنشر الدافئة بعيدًا من المصالح
المهنية وأن ادخل معترك الأعمال متسلّحة بإيماني أنّ النجاح ينبع من الداخل ومن إيماننا بأنّنا سننجح أينما كنّا لكي نمدّ الأشياء التي نحبّها بالاستمرارية والحياة.
اليوم أعيش تحت عباءة الإستعارات، لا قصائد تدثرني سوى الغربة وحرّ المسافة. انتحلت أهدافا جديدة في عالم الحسابات والأرقام والتجارة، وكلّما ضجّت أصوات الحواسيب والمنافسة والتفاوضات وإبرام العقود في فكرتي امتثلت أمامي القصيدة بثوبها الملائكي تدعوني للرقص معها على ناصية الحنين. وعلى الرغم من انني احاول أن أُنفض مجازاتها عن جسد أهدافي الجاف إلّا أنّ عفويتها أحيانا تلمع في عيني لغتي فأتجرّد من كل الارقام لترتديني. واكثر ما يشجعّني على الصمود في هذا العالم هو أنّني اعيش تجرية جديدة فريدة حتمًا تستحق الكتابة.
منذ أن بدأت العمل كمديرة علاقات عامة في شركة سعودية وأنا استبعد ناريمان الكاتبة والإعلامية والناشرة لحظة التعريف عن نفسي، وأحيانا أختصر اسمي إلى إيمان حتى أحافظ على خصوصية عالمي، وبينما كنت اتناقش اليوم مع فريق العمل حول خطة التسويق الجديدة بحضور مستشار تسويقي من خارج الشركة لا يعرف عني شيئا سوى أنني مديرة العلاقات العامة، كان الحديث عن اقتراح نصّ تسويقي معين اختصرته بخمس كلمات قليلة ودليلة قد نالت إعجاب المستشار التسويقي بعد ان ردّدها عدة مرات ومن ثمّ سألني:
“من أي كتاب جايبتيها؟ كتير حلوة هالجملة، هادفةومختصرة.
سألته:
“بنفع إكتب يعني؟ “
قال:
” شو تنفعي لاااازم تكتبي”
ومنذ تلك اللحظة وانا افكّر بأن أستمع إلى نصيحته وأكتب😃😁