خدمة المبدعين ليست صَدَقة… أنور الخطيب

خدمة المبدعين ليست صَدَقة

أنور الخطيب

هل إذا تفضّل أحد ما بتنظيم أمسية شعرية لك، يكون بذلك قد قدّم خدمة جليلة لك وعليك ردّها بأحسن منها، وإلا كنت من ناكري الجميل و المعروف؟ وهل خدمة المبدعين والاحتفاء بهم هو نوع من المعروف؟ ما أفهمه هو أن من يدعوك لإحياء أمسية، أو الكتابة عنك، أو التعليق على كتاباتك، يكون مؤمنا بك كمبدع، وبالتالي هو يخدم نفسه ويعزّز إعجابه، ولا ينتظر رداً للجميل، أما من ينتظر رد الجميل ويتّخذ موقفا مقلقاً منك ويبدأ بالهمز واللمز فإنه في حاجة لمراجعة موقفه الثقافي من نفسه، ويعيد تقويم فهمه للعمل الثقافي من جديد.

ما يحدث في أكثر من ساحة ثقافية عربية وغير عربية، أشبه بالمجاملات الاجتماعية السمجة: إذا دعاني أقوم بدعوته، وإذا حضر لي نشاطي أقوم بحضور نشاطه، والعكس صحيح، متجاهلين أن لكل مبدع برامجه في الحياة، ولكل إنسان ظروفه وانشغالاته، ولكل مثقف تقويمه لساحته الثقافية، وله مزاجه الإبداعي أيضا، وله أحزانه وأفراحه وقلقه وكآبته وطربه.

لنتوقف إذا عن انتظار المكافآت النفسية، وممارسة النميمية المستترة، لأنها لا تليق بالعاملين في المجال الثقافي والإبداعي.

الاحتفاء بالمبدعين ليست صَدَقَة، وحتى لو اعتبرناها صَدَقة، فأخلاقيات المتصدق الحقيقي تمنعه من انتظار كلمة شكر من المتصدَّق عليه.

شخصيا، لا أستطيع، ولا أملك الوقت ولا المزاج ولا الإيمان المفتوح، كي أوزّع علامات الإعجاب والتعليقات على كل ما هبّ ودبّ وكتب كلمة من هنا وأخرى من هناك، حتى أكوّن جمهورا وألمع في هذه الساحة أو تلك، أنا لا أجيد المجاملة بل أرفضها، لا استطيع كتابة :(ما هذا الإبداع المدهش المتفوق) على كلام أقل من عادي.

نحن لسنا في بازار تسويقي محكوم بالشللية، ولا يجب أن نغرق في هذا البازار الإعلامي الأجوف؛ الإعلام لا يصنع مبدعين ولا يثبّت أقدامهم، المبدع هو من يصنع نفسه بإخلاصه لمشروعه الإبداعي، نعم، يجب أن يكون لكل مبدع مشروعه الذي يشتغل عليه وينشغل به ويحفر فيه عميقا ليتجذّر، ونعم أيضا، يجب أن يكون لكل مبدع قضية تتمحور كتاباته حولها، أما كتابة التهويمات فلن تؤدي إلى ترسيخ المقولات.

كان يجب أن أكتفي بالفقرة الأولى فقط لأنني لا أجيد تقديم المحاضرات، ولست في مقام أن أعلّم أحدا أو أنصح أحدا، لأنني أعلم أن كثيرين سيتحسسون رؤوسهم، لكنني الآن، في هذه اللحظة من اقتراب الفجر، لا أرى أحدا في بالي..هو كلام عام استنتجته من الممارسات العامة، وأقول بكل صدق، أحترم كل من يمسك قلماً ويخطّ حرفاً، فنحن في حاجة لمن يسأل ويتساءل ويحاول الإجابة بطريقته، لكننا لسنا في حاجة إلى المزيد من النفاق، فهذا العالم الافتراضي الثقافي ليس صندوق اقتراع، ولسنا في حملة انتخابية.

إبداعك فقط من ينتخبك، وتعبك فقط من يرشحك للنجومية..

والله من وراء القصد

اترك تعليقاً