لا أحب المناسبات الوطنية والاجتماعية والأعياد متعددة الأغراض والمهن، أحرص على تجنّب احتفالات واحتفاءات الآخرين بها، ويشمل موقفي هذا يوم الأرض أيضا.
ما رأيت شعوباً تحتفل بمآسيها وهزائمها وخللها كالشعوب العربية، ما رأيت شعباً يقدّس المظاهر قدر الشعوب العربية، الفلسطينيون مشمولون بهذا الموقف أيضا، حوّلوا قضيتهم إلى أغنية (علّي الكوفية..)
يقول السفسطائيون إن الغرض من الاحتفالات تعزيز الوطنية والقيم الاجتماعية، لكن التنظير شيء والواقع شيء آخر، لأن السلوك شيء والفكرة أمر آخر..لقد تحولت الأوطان إلى سلع لا أكثر والمجتمعات إلى ساحات للاتجار بالبشر..
هكذا تتجلى مظاهر الانفصام في الشخصية العربية، يقولون ما لا يفعلون، هؤلاء هم المنافقون.. جميع الاحتفالات لكل المناسبات تنطوي على كمية كبيرة من النفاق، لأن مفعلوها ينتهي في لحظة نشر التغريدة والبوست وحضور الفعالية، ليعود المحتفلون بعدها إلى توحشهم وجاهليتهم وانفصامهم وعدوانيتهم ..
يحتفلون بيوم الأرض وهم يشاهدون أمام أعينهم أجيالا لا تعرف قيمة الوطن ولا الأرض ولا الانتماء ولا الولاء، أجيال أمّية وطنيا واجتماعيا وأخلاقيا، فاقدة لكل القيم، كلها.. يحتفلون بيوم الأرض وهم يقسّمون البشر والحجر والشجر..
إن أكثر ما يدعو للشفقة الاحتفالات بأعياد الاستقلال..لن أفصّل هنا حتى لا أتهم باستخدام الألفاظ النابية.. وهذا ينطبق على عيد الأم وعيد الأب وحتى عيد الحب.. هل لا تزال الأجيال تعرف ما هو الحب، وما هي المحبة؟!
المثقفون أكثر الناس مرضا بالشيزوفرينيا، ومن بينهم الأدباء، نسبة كبيرة من الأدباء، شعراء وروائيين وقصاصين، أو الطبقة التي تحشر نفسها في دائرة الإبداع حشراً، يتصرفون كأنهم يقيمون في كواكب أخرى، وهذا يحدث في فلسطين أيضا.. الأزمات تحيطهم (كلهم وليس الفلسطينيين فقط) من كل جانب وتراهم يكتبون عن القمر المبتل في بحيرة العشق وترفعه اصابع الفجر هدية للحبيبة، والحبيبة تعاني من تنمّر حبيبها الذكر..
المبدعون يتنمّرون على اللغة، يمارسون الاستبداد والقمع عليها ويحشرونها في زوايا ليست لها، وهم فوق كل هذا منتفخون أكثر من منطاد، يعانون من تورّم الأنا، لهذا فهم منشغلون دائما بالآخر، ويخاطبونه كعدو..
تمنيت من كل قلبي، أن يصدر المثقفون في أحد البلدان التي تدعي التحضّر والتمدّن، بيانا ضد الفساد والقهر والجوع والبلطجة، لكنهم، شأنهم شأن اي إنسان فقير محكوم لحزبه وتنظيمه وتياره، ولا يجرؤ على قول كلمة حق، ولاتزال هذه الأمنية..
لدينا أعياد لكل شيء إلا الخراب، ولدينا ايام لكل شيء إلا الفساد، الأولى والأجدر أن يقام للخراب عيد، وللفساد عيد أيضا لأنهما الصفتان الحقيقيتان لمجتمعاتنا، الجميع يحتفل بهما مع كل إشراقة شمس وغروبها..