رحيل الديكتاتور الأنيق بلال شرارة.. بقلم : أنور الخطيب

رحيل الديكتاتور الأنيق بلال شرارة.. بقلم : أنور الخطيب

 

رحيل الدكتاتور الأنيق بلال شرارة

بقلم: أنور الخطيب

وأخيرا .. ترجل “الديكتاتور” عن صهوة التاج وانطلقت روحه في براريها اللامتناهية.

دكتاتور بلال شرارة لا يشبه الدكتاتوريين الذين قضّوا مضجعه طول حياته، وتاجه يختلف بكل تأكيد عن التيجان التي تهكّم عليها كثيرا، لكن سخريته اللاذعة هي التي قادته ليكتب “الدكتاتور أنا”، وقد شرح هذا في مقدمة كتابة: (كان قصدي من الديكتاتور أنا، أن اصف كل أنماط السلطات التي تحكمنا من المحيط إلى الخليج، ولكني لم أستطع أن اسلك الطريق إلى آخره، لأنني سأتجرأ حتى على الديكتاتور الذي يقيم في سلوكي، والذي يمسك بالنظام من حولي ويمنع الدخول إلى الدولة ويمنع أدوراها..). وقد تلخّص هذه السطور هواجس بلال شرارة، رحمه الله.

لست هنا في مقام قراءة كتبه التي أهدانيها من دون إهداءات (أبعرفش أكتب إهداءات)، لكن كانت يده المُحبة ترتعش بكل معاني الحب، وكأنها تحمل المحتوى الثقيل على راحتها وتقولك (أهديك كل هذا..).

بلال شرارة لا يحب الرثاء أيضا، هو ابن الحياة “بالطول والعرض”، تهكّم عليها وعلى أبنائها قدر ما ملكت محبرته، فكتب بجرأة استثنائية، ولم يمنعه منصبه الرسمي من قول الحقيقة وتوجيه النقد للسلوكيات والمفاهيم والسياسات المحلية والعربية والعالمية، قال كلمته ومضى، تاركا الساحات تنضح بما فيها، وهو كما قال في مقدمة كتابه “كلام ليس بسركم” : (أنا مثل كل العرب، كثير الشكوك، حذر، ولكني لست مثلهم تماما، أنا أكتب بلغة القرآن العربية وليس بلغة الأعراب، لغة لا تحتاج إلى تفسير باطني، فأنا لا أخاف حاكماً أو حكيماً لأكتب جملا ملتبسة بلغة التورية..).

بلال شرارة كاتب التفاصيل الدقيقة، يظهر هذا في أشعاره ومقالاته وقصصه ورحلاته ورسائله، وانشغاله بالتفاصيل ناجم عن تأمل دائم، فكان قليل الكلام كثير السكوت، تابعت كتاباته قبل أن يقع صريع مرضه، فكان يصف الأمكنة بدقة متناهية كرسام كلاسيكي، ويتحدث عن شخوصه، أصدقائه، وجيرانه حديثا ذكّرني بكتابات رسول حمزاتوف في كتابه “داغستان بلدي”، وكنت أحسده على ذاكرته في معرفة الأسماء وتسلسلهم الأسري في شجرة العائلة، العائلات، وظل يحتفظ بهذه الذاكرة حتى الرمق الأخير، فالكاتب ذاكرة وسع الكون.

الكتابة عن بلال شرارة تحتاج صفحات طويلة وربما كتباً؛ عنه كإنسان يخدم كل من يلجأ إليه، كسياسي مُحنّك يعرف كيف يسير في حقل ألغام، كنقابي استطاع أن يجمع المثقفين والمبدعين حوله، كشاعر صاحب لغة صباحية لها رائحة الزعتر والقهوة والحب، ككاتب مقالات جريء مغلف بأدب غير عادي، وكفدائي أحبّ فلسطين حتى آخر طلقة.

رحل الديكتاتور حاملا معه الطيبة والعدل والشفافية، خلافا لكل الدكتاتوريين، تاركا خلفه ذاكرة بحجم وطن، أرجو أن يسردها رفاقه ذات يوم.

 أنور الخطيب

اترك تعليقاً