الذات ثم الذات ثم الذات
الإنسان العربي مراقبٌ جيد لكل ما ومن يمر به، ناقد لكل ظاهرة، مُعلّق على بني البشر من النساء والرجال والأطفال، فضوليّ إلى حدّ بعيد، متتبّع جيد للأخبار، أخبار الناس، القريبين والبعيدين، مُنشغلٌ بالآخر حدّ الاستغراق، لكنه ينسى نفسه، لا يراقبها، لا يعلّق عليها، لا يتتبّعها، ولا ينشغل بها، لسبب بسيط، فهو لا يراها ولا يقابلها ولا يجلس إليها، وغالباً لا يعرفها، أو بالأحرى لا يريد أن يعرفها، ورغم ذلك، يدّعي العلم بكل شيء، ونادرا ما يقول “لا أعلم” أو” لا أستطيع أن أحكم”، لهذا فهو متحفّز طول الوقت للدفاع عن نفسه ليخفي عيوبها ويغطيها.
الإنسان العربي لا يعتذر، لأن الحق معه دائما، وهو مظلوم دائماً، والجميع يريدون تدميره وتحطيمه والتآمر عليه، لهذا، يشعر دائما أنه الضحية، بل يريد أن يكون ضحية كي يلقى الاهتمام والحنان والمواساة، وفي الواقع فإنه يجد من يمنحه هذا الاهتمام، لكنه سرعان ما ينفض من حوله.
الإنسان العربي غير مستعد إطلاقاً للذهاب إلى طبيب نفسي لأنه سويّ ولا يشكو من شيء، كل ما في الأمر أن الآخرين لا يفهمونه، ولا يقدّّرون تضحياته ولا يعترفون بكرمه ومساعداته، وفي الواقع هو لا يفهم نفسه أو ر يريد أن يفهمها.
الإنسان العربي لا يقرأ لكنه يجادل ويوق لك (أنت شو بيعرفك) لا يتأمل لكنه يطلق الحِكم، وإن سألته عن آخر كتاب قرأه سيقول لك: لا يوجد عندي وقت، لكنه يقضي ساعات من وقته في المقهى يدخّن النرجيلة، ويدفع ثمنها ما يوازي قيمة كتاب، لهذا فهو متمسك برأيه، وكلامه هو الصحيح، والرأي الآخر مجرد كلام فارغ.
الإنسان العربي، لو قرأت أمامه شعراً حراً سيقول لك “ما هذه الطلاسم، هذا ليس شعراً”، وإن شاهد لوحة تشكيلية تجريدية سيقول لك “ما هذه الشخابيط)، لكنه مستعد أن يرقص على أغنية “جنّوا ونطوا” ثلاث ساعات.
الإنسان العربي إنسان عاطفي و”حبّيب”، لكن لو علم أن أخته تعيش علاقة حب، فإه سيرتكب جريمة شرف، والأوقح من هذا أن قوانين بعض الحكومات العربيةتسامحه (دمّه حار وشهم).
الإنسان العربي يعاني من ازدواجية في أفكاره ومشاعره وسلوكياته وانتمائه ووطنيته ودينه وقيمه، لكنه لا يعترف بذلك.
الإنسان العربي مليء بالثقوب التي تشبه الثقوب السوداء في الكون، ويمضي حياته كلها في سدّها بطرق خاطئة، لأنه يتحايل على نفسه.
حين أقول “الإنسان العربي” أعني وجود نسبة لا بأس بها في المجتمعات العربية، حتى لا ينبري أحدهم ويقول “التعميم ممنوع”.
الإنسان العربي في حاجة إلى أمر بسيط يستطيع فعله لكنه يحجم عنه، وهو، الجلوس إلى ذاته، يحاكمها، يحاسبها، ينتقدها، يصفّيها، ويعترف بعيوبها ونواقصها وأخطائها، ويعمل على تصويبها والاعتذار والتكفير عنها. لو فعل ذلك، سنتخلص من مظاهر الرعونة والتبجّح والادعاءات والمرجلات والبطولات والمشاكل والجرائم والنميمة والتطرّف، والأهم من ذلك الإنشغال بالآخر.
قال الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: الآخر هو الجحيم.
أنور الخطيب