في مساحاته الموبوءة بفلسفة المؤامرات المؤجلة يمدّ الفيلسوف حبال الأفكار المختبئة في نواياه ليضعها تحت المجهر ويحررها من آثام العتمة فاسحاً المجال لفراشات مليكة وفرشاتها كي تلبسها قماشة الدهشة بمحاولة لإنعاش ما خفت منها تماما كما حصل بالانتماء والولاء في صدور العرب الذين يتحملون إثم الصمت واختناق الصوت في حنجرة المقاومة..
لا قوة تستطيع ان تعيد التوهج لما جرّده الضباب من الضوء مهما حاولت الألوان والريشة أن تعكس الصورة ما بين اللون والعطر والورد أو الرصاصة.. ربما كان العناق وحده قادراً على أن يحيد الرصاصة عن رحم العروبة..
هو ذلك الفيلسوف الذي يرقص على حبال أهوائه، فتارة يسحره عطر الضوء ورائحة اليقظة، وتارة يميل إلى مساحات تسيبورا ويسجن نفسه داخل الرغبات منتشيا بنبيذ التجربة.
تارة تبهره ألوان مليكة الملتزمة وتارة تجذبه ميول عوشة الشاذة.. بين تحليل الموت في سبيل الحرية وبين رفع الراية البيضاء ثمنا لحياة بلا قيمة.
أنور الخطيب في روايته هذه يتقن اللعب على الحبكة والرقص على مقامات المعنى
هو المثقف الذي تتغلغل السياسة في عمق فكره وتنخر في عظام انتماءاته البعيدة عن التلوّن حيث يحاول جاهدا أن يقشّر الألوان عن جلد الفيلسوف الراقص ويعرّيه من الزيف.
وعلى الرغم من أنه ما زال لا يعرف كيف يجيب عن سؤال:
“كيف تشعر وأنت في وطنك؟”
إلا أنه جعلنا جميعاً نعيش إحساس المنفى حتى لو لم نختبره في الحقيقة .. قرأت بحثه عن الإجابة في كل فكرة وفي كل مشهد وكل زقاق مرّ به نحو وطنه متأمّلا أن يؤدي التحية يوما ما إلى علم بلاده.
لكنه ما زال حتى الآن منتظرا على الحدود والعودة ترفرف له من بعيد.