اتصل بي بيكاسو وصديقه الشاعر أبولينير يريدان أن آخذهما بسيارتي للذهاب معًا إلى افتتاح معرض في متحف اللوفر …
فتحتُ اليوتيوب على موشح يا نسيم الريح، وهممتُ بترتيب الكتب على طاولتي وإعادتها إلى رفوف المكتبة ريثما يحين وقت الذهاب …
ينقطع صوت مارسيل خليفة عن الغناء، وأسمع حفيف أوراق الكتب، وأرى حروفًا تخرج من بين السطور تمشي الهوينا على حافتي نافذتي، لأفاجأ بعدئذ بعنبرة الخالدي أول من نقل الإلياذة إلى العربية تقف أمامي تلقي التحية قائلةً:
– مرحبًا يا صديقتي، أردتُ ان أبلغكِ سلاماً من أستاذتي في اللغة العربية جوليا طعمة دمشقية، فهيا إلى المطبخ لنصنع فنجانين من الشاي تحلو بهما جلستنا.
ابتلعتُ دهشتي وذهولي، ورحتُ أسألها أن تخبرني بالتفصيل عن طرائق تفكير الناس ومشاعرهم في فترة الاحتلال العثماني؟
تنهدتْ عنبرة ووضعت كتاب الإلياذة جانبًا قائلةً:
– التاريخ يعيد نفسه يا عزيزتي، وها أنتم تعيشون وتعايشون نفس الاحتلالات لكن بطرق مختلفة ووسائل أكثر حداثة لتعزيز التخلف والجهل وقمع الحريات وحبّ التبعية في عصركم هذا…
يخرج صوت جوليا طعمة من بين رفوف المكتبة قائلةً:
– إذا أصلحنا المجتمع الصغير، استطعنا أن نصلح الوطن والمجتمع.
تجيبها عنبرة وقد اعتمرتها مشاعر الفخر والاعتزاز قائلةً: بالفعل ياعزيزتي فها هي حبوبة حداد، سلمى صايغ وماري عجمي وغيرهن الكثيرات من اللواتي تمردّن على القيود في تلك الحقبة وعملن على نهضة نسائية، وأصدرن مجلة المرأة الجديدة ، والعروس ومجلة الحياة الجديدة، وقاومن الاحتلال بكافة أشكاله وأحدثن التغيير …
تركتُ الرائدات يتحدثن فيما بينهن، وهُرعتُ إلى سيارتي فقد وصل للتو بيكاسو والشاعر أبولينير …
في طريقنا إلى المتحف راح أبولينير يسأل صديقه مالفرق بين الإعجاب والحب يا بابلو؟
– الإعجاب هو أن تقف خمس ساعات أمام لوحةٍ جميلةٍ في المتحف، أما الحب فهو أن تقف خمس دقائق وتذهب، ثم تعود لسرقتها في الليل يجيبه بيكاسو وتعلو ضحكتهما تعانق أشجار الرصيف وعصافير أزقةٍ يمتطي خيالي أجنحتها محلقًا نحو عبارةٍ لباولو كويللو يقول فيها: لا تسرق فالحكومة لا تحب من ينافسها.
ترجّلنا ثلاثتنا من السيارة، وما إن وصلنا صالة العرض حتى هرعت فورًا إلى لوحة الموناليزا لأجد المكان مكتظًا بالشرطة والأمن، وجدار اللوحة فارغًا، يقولون أنها سُرقتْ ..
التفتُ إلى بيكاسو وأبولينير أستطلع أمرهما، فلم أجدهما ..
بحثتُ عنهما في كل مكان دون جدوى، ضوضاء وجلبة تعود بي إلى المدخل فأرى بيكاسو وصديقه يساقان إلى السجن متهميّن بسرقة الموناليزا …
تلاشى كل شيء من أمامي وتبخر وبقيتُ وحيدةً مع الإلياذة في ردهة المدخل الرهيب أنتظر بهاء حضوركَ …