أنتِ عودي فقط واتركي الباقي علي
(إلى أمي.. ما زلتِ طازجةً في الروح)
أنور الخطيب
ماذا سيحدث لو
زرتُ بيتكِ الرخاميَ البعيد
وقلت: تعالي نعود؛
ترتبين داركِ من جديد
تذهبين لعين الماء
في صبيحة عيد،
تلتقين هناك بشاب طائشٍ
تسقينه جرعةً من يديك
فتنبتُ في قلبه شتلةُ ميرمية
تورق في عروقه أغنية
يقسمُ: احتسى رشفة
من نبيذ السماء،
وبعد سبعة أيام
تستعدين للزفاف
وبعد عامين
تُرزقين بطفل لا يموت،
هل تتحقق معجزة
لو سرتِ فوق الماء وعدتِ؟
لن يرتبك المد والجزر
في البحر أو في القلب
ولن تزلزل الأرض زلزالها
لو خدشتِ قشرتَها
وفتحتِ سقف بيتك الرخامي
وطرتِ مثل سنونوة الشوق
ولكن،
أبقى أنا نبض حيرة
في زهرة السؤال:
هل ستهتدين إلى ابنك
أعني، بكل أنانية الطفل، أنا،
أم أكون في تلك اللحظة
شهوة في شرايين أبي؟
لا يهمّ يا تفاحة الفضيلة
انهضي فقط
واتركي الباقي عليّ،
ورتّبي ما شئت من ميلادنا
ولا تقلقي بشأن وجودي
إن شئت ألا تلديني
لا تلديني
قد ولدت بما يكفي
كي أكون خطاً بكفّي،
تلك التي مسحتْ
على شمع غيابك
بعد صلاة العصر،
واختفت..
تنكّرتُ لرعشتها وشهادتها
أمام طبيبك الشرعي وقلت:
لم أر الروح صاعدة إلى البلاد،
هكذا علّمنا مدرس التاريخ:
أرواحكم أيها الغرباء
تصعد للبلاد بعد رحيلكم،
وصدّقته،
بكل مكر الطفولة
أحببت أن أصدقه
لغايةٍ في نفس خيمتنا،
فعودي..
بي توقُ خطّاء
يتوب أمامك
عن بكائك طيلة الليل،
أنت عودي فقط:
ولن أتأخر في رحلة الصيد
في سهول الفضاء
ولن أتغيّب بعد المغيب
وإن غبتُ سآتي مثقلاً بالانحناء،
ولن أهرب نحو الحدود ثانية
دون علمكِ
حتى إن هربتُ ثانية وعدتُ
تعيدينني مقيّدا بحبل ليفٍ،
ولن أتقاتل مع أخوتي
ولن أسهر الليل هائما
بامرأة غيرك
لن أسافر باحثا عن دوائك
فحين أكون بقربك لن تمرضي،
هكذا، علّمنا حلاّقنا في المدرسة:
التصقوا بأمهاتكم طيلة النهار
كي لا تضيعوا
وتضيّعوا عصافيرهن،
أنت عودي فقط
وامخري الحياة ثانية
سأكون مرساتك
وأسمع في العمق ما تحكينه
عن رجل طفلٍ،
يغافله ماء عينيه، ويهرب
كلما مررتِ في حروفه
كما يمر الرب في صلواته،
عودي
ولا تتركيني أمام احتمال آخر:
ماذا سيحدث لو
لم أزر بيتك الرخامي
ولم أقل: تعالي نعود؟
ستعرفين وحدك أنني
صرت فزاعةَ طير
عند الحدود..