معين بسيسو.. مارد السنابل الشامخ .. بقلم: جواد العقّاد

معين بسيسو.. مارد السنابل الشامخ .. بقلم: جواد العقّاد

معين بسيسو: ماردُ السنابل الشامخ

جواد العقاد- مجلة الهدف

إنَّ الكتابة عن قامةٍ شعريّةٍ وثوريةٍ بحجمِ معين بسيسو مهمةٌ صعبة، فالأبجديةُ لا تسعفُنا للكتابةِ عن شاعرٍ ثوريٍّ قَدَّمَ مآسينا وآلامنا وجراحاتنا كما قَدَّمَ آمالنا وحلمنا بالتحرير والتحرر من الاحتلال والرجعية والتخلف.
معين الشاعر المناضل، ولا مكان لحرفٍ عطفٍ بين الشّاعر المناضل؛ فهو صاحبُ الفعل الثوريِّ والقول الثوريِّ في آن، هتافُه شعرٌ وشعرُه ثورة، ولا يمكن الحديث عن الثورةِ والعنفوان الفلسطيني إلا وذكرنا معين بسيسو، وشعره الذي برهن وما زال يُبرهن أنَّ الشَّعر قبلَ أن يكونَ جمالًا هو موقفٌ ورؤيةٌ وثورةٌ ضدَّ الظلم والواقع البائس، وطموحٌ مستمرٌ نحو التغير وتحقيق الحلم، هذا الشّعرُ الذي تربّت عليه أجيالٌ من الثوار، ثوّار الكلمة والسلاح. عرفنا معين شاعرًا ثوريًا وقائدًا، فهو شاعرٌ طليعيٌّ من أهم شعراء قصيدة التفعيلة والمسرح الشعري في القرن العشرين، وهو ماردُ السنابل الشامخ، رأينا فلسطينَ في قلبه وشعرِه وصوته وهو يهتفُ ضدَّ التوطين وكلَّ مشاريع تصفيةِ القضيّة الفلسطينية؛ لهذا أنا على يقين تامٍ بأنَّه سيبقى في قلبِ فلسطين، فما زال يصدحُ بشعرِه كلُّ حرٍ يحملُ فكره الثوريَّ التقدميّ، فمعين القائد رحلَ جسدًا لكنه متجذرٌ فكرة، معين الثورة الذي قال في رثائه الزعيم ياسر عرفات: “معين ليس شاعرًا فقط، معين كان ثائرًا، بل هو الثورة في حد ذاتها”.
وصفَ محمود درويش معين بسيسو بالمؤرخ الوجداني للشقاء الفلسطيني؛ فشعرُ معين لا ينتمي إلى القاعاتِ الفخمة، ولا يُوجّه إلى النخبةِ المثقفةِ فحسب، بل ينتمي إلى الوجع الفلسطينيِّ أو بالأحرى هو الوجع ذاته، شعر بسيسو صوتُ الثورةِ الصادح بالرفض والحقِّ، سيعاندُ المستحيل ويقولُ للنصر دقّت الساعة؛ ولهذا فهو عصيٌ على النسيان. معين الشيوعي الثائر والشاعر لا يكتبُ إلا وهو في قمةِ عنفوانه وثورته؛ لهذا قصيدته، التي تحملُ مرجعياتٍ ثوريّة دائمًا، مُتمردة محرّضة وصادقة.
يقول بسيسو في ديوانه الأول، المعركة:
“أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتيَّ أطبقتا على هوج الرياح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال”.
ليس غريبًا على شاعرٍ فلسطينيٍّ بقامةِ معين بسيسو أن يكونَ جزءًا من نضال شعبه فيتسم ديوانه الأول( المعركة) -من العنوان إلى آخر حرف- بالنزعة الثورية، ويُعبر عن همومِ الجماهير الغاضبة المُتطلعة إلى التحرير والتحرر، هذا هو معين الشاعر همُّه الذاتي هو همُّ الشعب، الشيوعي العنيد لا يهمه الموت في سبيل الفكرة، المهم أن تستمرَ المعركة.
كان هذا الديوان الشرارة الأُولى في نضال الشاعر، وبقي يقاتلُ بالقصيدةِ التي أورثنا إياها؛ لنأخذَ مكانه في الكفاح.
علينا أن نحفظَ عهدَ رفيقنا ونرفع دائمًا شعار” أنا إن سقطت يا رفيقي فخذ مكاني في الكفاح.” في معركتنا المُستمرة مع قوى الاستعمار والرجعية والتخلف، فالواجب أن نصدحَ بالحقِّ في كلِّ الميادين، فإن رحل معين فينا ألفُ معين، الصمتُ عارٌ وموت يا رفاق.
يقول معين:
“الصمت موت
قلها ومتْ
فالقول ليس ما يقوله السلطان والأمير
وليس تلك الضحكة التي يبيعها المهرج الكبير للمهرج الصغير
فأنت إن نطقت متْ
وأنت إن سكت متْ
قلها ومتْ”.
علَّمنا معين بسيسو أنَّ الشِّعر هو صوتُ الإنسان الحر والمضطهد، وروح الثورة فسقطت كلُّ نظريات النقد والشعر أمامَ قصيدته، ليس شرطًا أن يكونَ الشاعرُ نرجسيًّا منغلقًا على نفسه كي يبدعَ بل عليه أن يكونَ هديرَ الجماهير الغاضبة متوحدًا معها، فالصدقُ هو معيارُ الشِّعر الأول. وأخيرًا يا رفاق: إنَّ المعين توقفَ قلبُه عن الشِّعر والحياة وتركَ لنا أمانة ثقيلة، تركَ المعركة.

اترك تعليقاً