بأصداء الماضى وذكراه ،سمعت هتافاً ينادي باسمها ويدعونى للخروج، بعد أن تعبت فى البحث عنها، سمعت أصوات اقدام تقترب، رفعت رأسي وفى عينىّ أسئلة صامة تدور عن صحن القصر المتشجر بالورود وعن الذين ينظرون إليّ من مخابئهم، فقلت….من هؤلا؟ رأيت شموعاً قد احترقت بدون وهج، ورأيت شمساً أعلنت عصيانها وامتنعت عن المغيب وإن كان فضّل البعض الانتظار حتى تغيب ثم يخرجوا وبعدها ينادوها، وهم فى هذا رآها الجميع وهي راكضة بخطوات وجلة، يصارع شعرها الفوضويّ فناء القصر، وهى في بريق وتحليق للنار التى اشتعلت من الشموع التى أصبحت تتوهج، لذلك يرون أنه ليس غريباً عليها أن يمسح همها، فتدهن وتكتحل،ومن ثم تصفّف شعرها، وترجج حاجبيها وتعود هكذا، فمن هى هذه المعبودة؟ فقد جاء دور قلبه، نعم عبرت الممر ولم تقل شيئاً له بل تطلعت الى زاوية بين الكواليس سمحت له ان يختبئ فيها، لم تهتم به ولم تناديه، كانت قصة قديمة،تظهر أمامه تتنهّد وتتحسّر متأثرة الى اقصى حدود، يومها رأته ينادى مهرولا نحوها، كان فى نفس المكان والزمان. تركته في أثناء عبورها الى داخل القصر، كانت حالمة حالمة، ومحياها مثير بصورة تخفق الأبصار، وشفتاها وعيناها تشعّان ضياءً ودفئاً..لم ينفرد فى ذمّها أو هجائها، كانت في عينيه نظرة يأس، فلا أمل سوف يعود ولا حلم سوف يتحقق ، فهى ليست كنزاً مفتاحه بين يدي، هكذا قال! فقد انغلق باب المتيم، ورفع من كان خلف الكواليس أياديهم تنادى بدق الطبول وان كان هذا يرونه بعيدا.. وكان هيهات، هيهات.
وبعفوية وتحسّر ملموس قذف بنفسه على الشارع بعد أن كان مرابطاً داخل القصر ينتظر مجيئها، فاستقبل ليل الطرقات نحيلا بضؤ مصابيح الحارة.. يلتفت شمالاً ويمينا، يسرع ثم يبطئ فى مشيه، وأخيرا وقف وبدأ يقلب أوراق قصائده معها، فكبح غضبه الجارف ولم يفصح بشئ خوفاً من عواء كلاب الدرب،فعاش ليالٍ تائهاً، يقرع باباً ويتردد فى الدخول، يهبط ويعلو فى الطرق ، يدخل من دون ان يقرع الباب، يخرج من شارع ويمضى الى ان يدخل شارعا آخر، شارداً يحادث نفسه، وعندما بعُد عن القصر، سأل نفسه،لماذا لم تقف عند مناداتى لها؟