قصة قصيرة
ملفّاتٌ سرّية
مشلين بطرس / سوريا
حملني الشّكُ على أجنحته عندما وقع نظري على حروفٍ تأكدتُ من عبريتها ما إن دخلتُ إلى صفحة صاحبتها حتى وجدتُ صورة للقدس من الداخل مرفقة بالعلم الإسرائيلي بجانبه تعلن الافتخار بإسرائيليتها.
فاضت مشاعري بالدهشة والروعة، فهذه هي المرة الأولى التي أرى فيها صورة القدس من الداخل، وقد اعتمرتني مشاعر من الغضب وأخرى من الغيرة والحسد من صاحبة الصفحة لأنها تنعم بالإقامة هناك .. في القدس .. في بيت لحم، وما أدراني ما بيت لحم، ما القدس، مالحلم، ما الفرح، ما السلام؟
فنحن الشعب العربي لا يُتاح لنا زيارة قدسنا ولا النظر إليها حتى ولو عن بعد …
– يجب أن تتذكر أن إسرائيل بلدٌ كلّ شخصٍ فيه يشكّ بكلّ شخصٍ آخر، وبكلّ شيء طول الوقت. يتحدث أحدهم إلى نفسه، ثم يستطرد هامسًا: عن طريق الخداع سنقوم بالحرب، هذا هو شعار جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة المسمى ب”الموساد”.
– في كل ثلاثة أشهر ستقدّمون امتحان كشف الكذب، وبعد ذلك كلّما عدتم من رحلة للخارج، أو بعد أيّة فترة تقضونها خارج اسرائيل سيُطلب منكم تقديم الامتحان.
– وإذا رفضنا تقديمه؟ – يتساءل أحدهم-
– لكم الحقّ أن ترفضوا تقديمه، مما يعطي الحقّ في إطلاق النار عليكم – يجيبه المدرّب.
يخبرنا الراوي العالم بكل شيء أن امتحان الواحد منهم يستغرق حوالي تسعين دقيقة، وكان بالحقيقة مرعبًا ومنزعًا للأحشاء ..
ويكمل: جميع البلدان العربية تدعى “بلاد أهداف” بينما تدعى الأماكن الأخرى التي بها قواعد للموساد “بلاد قواعد” …
إشعار رسالة على المسنجر وصلتني من غسان كنفاني يسألني:
– ما هو الوطن يا صفّية؟
……..
………
– الوطن آلا يحدث ذلك كلّه – يجيب الكاتب نفسه ولا أردّ لأنني مازلت مشدوهة بصورة القدس المضيئة …
أخبارٌ ومحطات إعلامية تتسارع لتغطية الأحداث العربية، حروبٌ ودمار، صرعاتٌ ومآسي تنعي بلداننا الواحدة تلو الأخرى مرةً بحرب أهلية، ومرة بمؤامرات دولية عالمية، وأخرى باقتتالات دموية تعزز التعصب الأعمى والجهل الغاشم فيما بيننا ..
وما يحدث بعد ذلك هو إبقاء الحرب حامية الوطيس، فإذا ما انشغلوا بمحاربة بعضهم البعض فلن يتفرغوا لمحاربتنا – يقول الراوي العالم بكلّ شيء، فيخرج كبير الحاخامات السفرديم من مخدعه محرّضا:
يجب إبادة العرب، العرب أفاعٍ سامة، العرب صراير يجب قتلهم.
إشعار آخر يدعوني للانضمام في مجموعة محمود درويش التي تقول: أيها المارّون بين الكلمات العابرة احملوا أسماءكم وانصرفوا …
تفتح معي فدوى طوقان مكالمة فيديو قائلةً: أجلسُ كي أكتبَ/ ماذا أكتب؟
ما جدوى القول؟/ يا أهلي يا بلدي/ يا شعبي/ ما أحقر أن أجلس كي أكتبَ في هذا اليوم.
هل أحمي أهلي بالكلمة، هل أنقذ بلدي بالكلمة؟
كلّ الكلمات اليوم ملحٌ لا يورق أو يزهر في هذا الليل …
أعتذر من الشاعرة، وأغلق هاتفي بعد أن أخذت صورة القدس من صفحة تلك الفتاة، أرتدي ملابسي على عجل، فأصدقائي ينتظرونني لننشد معًا حلمنا العربي في ساحة الحياة.
مشلين بطرس