هاشم شلولة.. شاعر مسكون بالحيرة ومقارعة العدم

هاشم شلولة.. شاعر مسكون بالحيرة ومقارعة العدم

برقيات لآلة فاكس معطّلة لهاشم شلولة

شاعر مسكون بالحيرة ويقارع العدم

الكتابة للمحاصرين فتحُ أكثر من كوّة في جدران الوعي، وحين تكون الكتابة شعراً ستملأ مدى الذات بالأسئلة، والمدى الضيق بالتساؤلات، وحين لا تتوفّر الإجابات يبدأ الشاعر باللعب مع العدم، مرة يخاطب الأفق المسدود، ومرة الموت المزدهر في الكلمات والسطور وأزقة التدفق، حتى يشعر بالإنهاك، فيبدأ بالعبث مع الوجود، يقلب العبارات ويزرع الفوضى في الثوابت، ويتحرش بالجمود، ولا ينجو الشاعر إلا حين يجيد التعاطي مع كل هذه المتناقضات والمترادفات المعكوسة.

كان يجب أن أكتب عن الشاعر هاشم شلولة، وله، منذ زمن، لكن التأخير جعلني أقرؤه أكثر من مرة، وأعيد التدقيق في البرقيات المنتظرة بالقرب من آلة فاكس معطلة، وهذا الانتظار، الذي مارسته، جعلني أنتقل من اتهام هاشم بتغليب الفلسفة على الشعر، إلى توظيف الفلسفة في الشعر، لأجد نفسي أمام شعر مكثف معنى ومبنى.

وبالمضي في القراءة والقصدية في إنهائها لوعد أخذته على نفسي، وجدتني أتعامل مع الديوان كقصيدة واحدة أو نص واحد متوالد من ذاته، من دون أن يكرر الشاعر ذاته في الإلحاح على إبراز النقمة على المشهد الوجودي الشامل، والاقتراب من أجزائه بجرأة الشاعر الذي يعرف كيف يخلخل الأجزاء ويبقى متماسكاً، يبقى كإنسان شاعر، ويبقى كديوان يحتوي على نصوص متعددة.

الشاعر هاشم شلولة، كائن إبداعي منشغل في مشاكسة الحصار، ليس حصار غزة أو فلسطين، وإنما الحصار الذي يختبره يوميا نتيجة انسداد الأفق، وظنّي أنه نجح في مشاكساته، أولا من حيث تكرارها والإصرار عليها، وثانيا، من حيث المخرجات الإبداعية التي أنجزها، والتي تجلت في نصوص تحفر عميقاً في وعي المتلقي، وتترك أثلاما في إدراكه.

برقيات لآلة فاكس معطلة، كتبها شاعرة بحبر الحيرة على ورق الضياع، لم أقرأ من قبل تجسيدا لغويا للضياع ومقارعة العدم، كما قرأته في شعر هاشم شلولة، ولو أردت الاستشهاد بفقرات من نصوصه لنشرت ديوانه كاملا.

هو الشعر إذن، يرسم علامات الحيرة وليس التردد، ويخاطب العدم وليس الفراغ، ويقارع الوعي المهزوم لينهض على ركبتي المجاز ويسلم نفسه للريح، فقد ينبت في أرجاء المكان إجابات وأشعارا وشفاء.

أظن أن هاشم كان يلجأ للكتابة وهو محاصر بالكامل، ومكبّل، باحثا عن الحرية في أسمى تجلياتها، راكضا وراء حمامة بيضاء ليطلقها في فضائه، وهو في كل ذلك، ينشد الشفاء، ولا أدري إن كان نصه قد منحه قليلا من الراحة أو أنه ضاعف من حيرته، ومهما كانت الإجابة، فإن انخراط المتلقي في نص شلولة سيصيبه بعدوى طرح الأسئلة، والذهاب طواعية للعبث الإيجابي

هاشم شلولة شاعر في بردة فيلسوف، وفيلسوف بلغة شاعر، سيصبح نصه أكثر شاعرية كلما أراح الفيلسوف في ثناياه.

اترك تعليقاً