الفساد الدرامي
يبدو أن غياب الضمير حين يتفشى في مكان ما فإنه ينتشر في كل مفاصله، ولا ينجو جانب إلا ويتعرض للتحايل والمكر.
الدراما العربية ليست استثناء، الجانب التجاري الاستغلالي الماكر يسود غالبية الأعمال الدرامية، ويتجسد هذا في التطويل الممل والخواء في الحوارات وضعف الإخراج، وتوظيف العين الناقدة غير المحكومة باسم المسلسل والناجية من سيطرة الممثلين، يؤدي إلى معرفة ما نذهب إليه، والذي يتلخص بالمتاجرة بأوقات المشاهد والزمن، فقد بات معروفا أن المخرج يواصل (المط) والتطويل وتثبيت الكاميرا على الوجوه لفترات زمنية طويلة من دون أن تخدم الطقس الدرامي، بهدف إنجاز حلقات جديدة، وبات معروفاً أيضا أن أي مسلسل عربي يواصل المراوحة في مكانه واجترار المشاهد على مدى عشرين فارغة، إذا يقوم في العشر حلقات المتبقية بتسريع الأحداث وحل عقدة المسلسل. ويوصف هذا في ابتزاز المشاهد والعبث بوقته وبيع المحطات التلفزيونية مسلسلات خاوية لا قصة فيها ولا حكمة ولا عبرة.
مسلسل شهير بدأ عرضه قبل مدة قصيرة (لن أذكر اسمه لأنه نموذج للسقوط الدرامي)، يثير عصبية المشاهد، أو على الأقل يثير عصبيتي كمتلق، من خلال برودة الشخصيات وأدائهم، ورتابة الحوار، إذ بين كل جملة وأختها مساحة زمنية غير مبررة، ولا هدف لها سوى (مط) الحلقة بالقوة، ناهيك عن ضعف الكلام والمقولات التي باتت مستهلكة إلى درجة السخف، وسحبت الجاذبية من بطل المسلسل الذي يمثل بملل. وينطبق هذا الوصف على مسلسلات أخرى.
ولو قارنا هذه المسلسل مع مسلسلات عالمية أخرى يتم إنتاجها في إسبانيا أو ألمانيا، سنجد أن من يعمل فيه هواة: ممثلون ومخرج وكاتب نص وكاتب سيناريو وحوار.
الثقافة العربية غير موظفة في المسلسلات العربية، والتراث العربي (حكم، أقوال، مقولات) غائب كلياً، يحدث هذا لأن الأعمال تُسلق سلقا وتُقدم للمشاهد العربي على طبق من التفاهة.
لماذا لا يستعين فريق العمل بالكتاب المحترفين أو بالمستشارين الثقافيين لتطعيمه بالثراء، بحيث يكون الحوار، على الأقل، دسماً.
الفساد يطال الدراما العربية، كما يسود كلمات الأغنية العربية، والفيلم السينمائي العربي، لأنه متغلغل في الجسد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وسيستمر الحال على ما هو عليه، طالما يقود الثقافة أشباه الكتاب والمخرجين والممثلين والسياسيين وأحيانا وزراء ثقافة إلخ.
هناك أعمال رائعة بلا شك، لكنها في الظل، لأنها تتناول أفكارا جادة بأساليب متطورة.
أنور