رواية رقصة الفيلسوف لأنور الخطيب:  يضع القارئ أمام اسكتش ويتركه أمام عطش للون والتفاصيل  بقلم: غنّام غنّام

رواية رقصة الفيلسوف لأنور الخطيب: يضع القارئ أمام اسكتش ويتركه أمام عطش للون والتفاصيل بقلم: غنّام غنّام

رواية رقصة الفيلسوف لأنور الخطيب

يضع القارئ أمام اسكتش ويتركه أمام عطش للون والتفاصيل

بقلم: غنّام غنّام

بحنكة السارد يأخذنا أنور الخطيب في مسارات رواية رقصة الفيلسوف (صدرت حديثاً عن دار مداد للنشر والتوزيع في دبي)، تقديماً و تأخيراً، بانتقالات الزمان و المكان، في عالم صاخب مفتوح، لخصه بذكاء في شخصيات قليلة العدد مقارنة بشساعة جغرافيا وتاريخ الحكاية ومعطياتها السياسية، يرسم بقلم رصاص الحدود الخارجية للحدث وللشخصية، يضع القارئ أمام اسكتش، يتركه أمام عطش للون وللتفاصيل، يسرد جوانب تبدو للوهلة الأولى غير لازمة، ويترك مساحات فارغة لما تحس كقارئ بضرورة اكتنازها، يورطك، تماماً، يورطك لتقوم أنت وعلى مسؤوليتك الخاصة بإغناء الصورة والحدث والمكون النفسي، ولا يتركك حراً في ذلك، لأنه يربطك بما اختزنته ذاكرتك ومعرفتك من أحداث وشخصيات، يتقاطع معها، أو يبني مساراته بموازاتها، فتجد نفسك مثلاً أمام شخصية كتبها هو “إبراهيم بشارات” فيما تقرؤها أنت “عزمي بشارة” وقس على ذلك في باقي الشخصيات، يجرح الشخصية بالسؤال ويأتي بالإجابة من ضدها الدرامي، و يترك تعليقك داخلك ليصبح بعضاً مما لم يكتب ليكمل روايته، ذكرني بذكاء  بـ “غسان كنفاني” الذي وضع أهم مضامين ومفاهيم الوطن على لسان “الآخر، لا على لسان البطل” لتقوم أنت كقارئ بإعادة توجيه الفكرة، فتصبح من حيث لا تدري شريكاً أساسياً.. و هذه وسائل مسرحية بامتياز، أجدها تنهل من حرفة الراوي الحاذق.

تركني أنور الخطيب أمشي على مسطح مائي دون أن أغرق، دون أن تبتل قدماي، تلاعب بمسارات السرد ليوقفني حيث أراد، فرض عليّ في كل مشهد، (أنا أسميتها مشاهد، فالأرقام لم ترق لي)، و لأن حساً درامياً يحكم كلاً منها مِلت لهذه التسمية الخارجة عن تكنيك الرواية والقادمة من باب المسرح) فرض عليّ مقولة افتتاحية مستلة من متن المشهد، ساعياً بذلك ليدفعني للبحث عنها، أو في مقام آخر لأتعامل معها عندما تأتي في سياق المشهد كمدرك سابق لدي، تمامًا كما فعل في بناء الشخصيات (الاسكتش الذي يستمد قوته من معرفة القارئ)، و كما صاغ الأحداث من مناخ عايشه القارئ، جاسوسية، جنس، خدمة في الجيش الإسرائيلي، راكاح، شلومو… إلخ إلخ..).

لقد مر الخطيب على مفاصل ساخنة، بل مفاصل قابلة للإنفجار في (سريالية) الوضع الفلسطيني وعلاقته بالمحتل والوطن والعالم من حوله، مر بحرفية وخفة فلم يضغط عليها لتنفجر، و ترك المساحة الفارغة معلقة أمام القارئ ليحدد موقفه.

من مدة لم تدفعني رواية لإكمالها (خلل شخصي فيّ لربما)، لكن هذه رواية دفعتني لقرائتها (مشهداً مشهداً) وكان كل مشهد مكتملاً بذاته، فكنت أتوقف عن القراءة بعد كل مشهد لأعود للمشهد التالي في اليوم التالي دون أن أفكر في ربط المشهد الجديد بسابقه، لأنني أتعامل مع شخصيات أعرفها، فلا يربكني حضورها أو غيابها المباغت، لقد كتب أنور الخطيب هذا النسيج و هو يدرك، والدليل على ذلك (المشهد الأخير) (الرد على السؤال و الرد على الرد).

و بعد أن أنهيت متعة القراءة أسأل: ماذا لو كنت قارئاً غير فلسطيني، أو غير عربي أعرف التفاصيل التي بنيت عليها هذه الرواية؟  ماذا لو كنت قارئاً بعيداً عن مناخ القضية الفلسطينية و الوطن العربي، هل سيسعفني (الاسكتش) الروائي الذي بناه بعناية أنور الخطيب؟ سؤال لا أبحث له عن جواب الآن، و لربما أتمكن من الإجابة في وقت لاحق حين أبتعد بما يكفي عن لحظتي هذه و أتمكن من تقديم جواب على سؤال طرحته في مسرحيتي (سأموت في المنفى – بدل فاقد).

  • غنّام غنّام، كاتب وممثل ,ومخرج مسرحي فلسطيني

صحيفة المشهد المصرية

http://www.elmashhad.online/Post/details/127630?fbclid=IwAR2zj4EQlPCBb5IImaCTJj5FTSq3XwFn0Wp7b58v2Az2_u0C93F_JB599E0

اترك تعليقاً