فرغت للتو من قراءة ( رقصة الفيلسوف ..خفوت وهج الدهشة ) وهي رواية جديدة للأديب والشاعر أنور الخطيب، الذي يعتبر علماً من أعلام الثقافة يشار له بالبنان.
وفي الواقع فإن هذه الرواية ليست وليدة لحظتها الراهنة فحسب، بل إن المنطق الجدلي يعلمنا أن ننظر إلى الأشياء في إطار حركة تحول وصيرورة دائمة، نعيشها في هذه المنطقة من المحيط إلى الخليج، وفي القلب من ذلك كله المأساة الفلسطينية التي بدأت تواكبها العديد من المآسي العربية سواء قبل ما سمي بالربيع العربي أو بعده.
الرواية فيها متعة سحرية باذخة حتى وهي تتحدث عن شخصيات مأزومة، تبحث عن فردانيتها، وهي قيم حاول الطرف الآخر أن يزرعها ، من خلال الحدود التي رسمت، والتدخلات المتواصلة في شؤون المنطقة، حيث يتم ضرب العدو بالعدو والصديق بالصديق، ولم تعد اللغة أو الشعارات التي رفعت فترة طويلة من الزمن بكافية لأن ترتقي الأمور إلى مستويات جديدة، وينظر إليها على أنها مشكلة جماعية وليست مشكلة فردية.
لقد سبح أنور الخطيب في هذا البحر المتلاطم، بكل ثقة، وبين لنا أن هذه الرحلة لم تنتهه بعد، وهذه القصيدة، قصيدة الفرح والأمل ووهج الحياة وجمالها لم تكتب بعد.
لوحة حياتية متكاملة ترى فيه شخصيات تعيش بيننا، ونراها تنظر على التلفزيون، وتنمو وتتطور لكن إلى مسارات متعرجة ومنحرفة، خاصة في شخصية الفيلسوف الذي يجيد الرقص على الحبال، شخصية انتهازية تبحث عن مصالحها، وتنتقل من عضوية الكنيست، إلى كنف الزعيم، ثم إلى المنفي اللندني، والعودة مجدداً للتصالح مع من ادعى أنه أبعده من وطنه الفلسطيني،،
صاحب هذه الرواية أنور الخطيب ليس مجرد صوت يرتفع، وإنما هو مصر على الارتفاع، من خلال الجرأة على البوح، وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فهو لا يخدعنا، ولا ينعت الهزيمة بالنصر المظفر، ولا يرى في المنفى وطناً، بل يعبر عن جراحات والآم هي أوسع وأكبر من نطاق الأنا والذات، إلى الموضوعية والشمولية التي لا يستطيع غير أديب مجرب، ومقف واسع الاطلاع، وشاعر مرهف الحس، يمتلك كل هذه العاطفة الجياشة، وهذا النقاء الوطني، أن يسكبها سرداً مغلفاً بالشعر، ومتجذراً في عمق الفكر والثقافة.
رقصة الفيلسوف رواية جميلة في هذا الزمن الذي تغلب عليه العلاقات المتشابكة، لذلك فإن الفيلسوف أو الشخصية الانتهازية التي لديها القدرة العجيبة على تغيير جلدها تفوز بنصيب الأسد، دون أن تراعي حرمة للقيم والأخلاق، أو تكترث للنواحي الإنسانية والأخلاقية، بل قد لا أجازف إن قلت أن الفيلسوف الذي ظهر في هذه الرواية هو مشروع إسرائيلي، أكثر من كونه مفكراً برغماتياً،،
أنور الخطيب كاتب شجاع يقوم بتعرية الواقع، من خلال هذه الرواية الهامة، وهو واضح الحضور في كل حرف خطه قلمه، إنه ينشد أهدافاً إنسانية رفيعة، ويرفض معاناة الناس، والمتاجرة بأرضهم ودمائهم، ولأنه مثقف عصري يعي الحقائق جيداً فإنه يرفض الأخطاء والخطايا سواء كانت فكرية أو سياسية، أو دينية.
أنور الخطيب فلسطيني يرفض الذوبان والاستسلام، ويرفض أن ينتقل من إنسان إلى حالة،،
روائي فذ، وشاعر جميل، ومثقف كبير يعيش الحياة في العمق،، يبحث عن المطلق،، ويغني الحب بكل جوارحه.