سارة حجازي هزمتنا بـ«انتحارها»! وحلاق عراقيّ يحوّل بقايا الشعر إلى لوحات فنيّة
بقلم: مريم مشتاوي
منذ 4 ساعات
بعد رحلة معاناة واصطدام مع المجتمع والسلطة، رفعت الناشطة المصرية سارة حجازي «30 عاماً» الراية البيضاء، وقضت انتحارًا ليلة الأحد الماضي في كندا.
لقد اعتُقلت العام 2017 بتهمة «الترويج للمثلية الجنسية» لأنها قامت برفع علم قوس قزح أثناء حفلة موسيقيّة لفرقة مشروع ليلى اللبنانية في القاهرة.
سارة، التي انتقلت إلى كندا بهدف العلاج النفسي بعدما ساءت حالتها في مصر، حيث بدأت بالعلاج، تركت لنا قصاصة ورقية كتبت عليها:
«إلى اخوتي: حاولت النجاة وفشلت، سامحوني. إلى أصدقائي: التجربة قاسية، وأنا أضعف من أن أقاومها، سامحوني.
إلى العالم: لقد كنت قاسياً إلى حد عظيم، ولكني أسامح».
يكشف إقدام سارة على الانتحار عن هشاشة المجتمع المدني في العالم العربي، والمصري على وجه الخصوص، لا سيما وأن القاهرة كانت حتى وقت قريب ملاذاً للكثير من الفنانين والمعارضين والمثقفين العرب، الذين طالما وجدوا فيها فضاء ثقافياً وسياسياً متنوعاً يتحركون في نطاقه بحرية.
لكن قاهرة اليوم تضيق بأبنائها، الذين لايرون فيها ما يمنحهم الأمل بحياة حرة كريمة في زمن العسكر.فبفعل التضييق السياسي والأمني في مصر والعالم العربي، نكاد لا نسمع اليوم عن حراك مؤسسات حقوقية ومدنية تطالب بحماية الحريات الشخصية، لا بل هناك أصوات إعلامية تفتقر إلى الحد الأدنى من المهنية مستمرة في مساندة القمع وتحرض على العنف وانتهاك معايير حقوق الإنسان.
هذا المنطق العدائي إزاء الآخر المختلف نتاج طبيعي لثقافة الاستبداد والتدمير الممنهج الذي مارسته الأنظمة القمعية ضد المجتمعات العربية. وهو مابدا واضحاً في ردود الفعل العنيغة لبعض رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين لا يعرفون عن سارة سوى «جهرها بالمعصية» وإقدامها على «إنهاء حياتها» بما يخالف «أوامر الله».
هكذا اختصروا القضية وأدرجوها في خانة «مخالفة الشرع»، متجاهلين تماماً الظروف التي أوصلتها إلى هذه النهاية.
ولأن موضوع «المثلية» من التابوهات المحرمة في عالمنا العربي، يتردد الكثير من رجال الدين الخوض فيها. وهنا يبرز صوت المفكر الإسلامي راشد الغنوشي، الأكثر وضوحاً في طرحه، حيث قال في كتيب مطول حول «موضوع الإسلام» للصحافي الفرنسي اوليفي رافنيلو إنه «يرفض المثلية الجنسية ولكنه يرفض أيضاً تجريمها»، مؤكداً أن «كل شخص لديه ميول يجب احترامها، ولا يمكن أبداً التجسس على الناس في بيوتهم»، مضيفاً «الكل مسؤول أمام ربه».
كما أكّد زعيم حركة النهضة التونسية «أنه يرفض تجريم المثلية الجنسية «لأن القانون لا يقوم بتتبع الحياة الخاصة للأفراد، ولأن هذا الإجراء مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الانسان».
إذن القضية ليست جدلاً بين الكفر والإيمان، أو بين جماعات هوياتية متنافسة في ما بينها، ولكنها قضية وجود شريحة هشة في المجتمع تواجه كل أشكال التهشيم الثقافي لمحوها ونكرانها.
وها نحن اليوم نشعر بالعجز أمام أصوات عالية لا تكتفي برفض «المثلية» وإنما توفر لها كل أسباب الكراهية التي تجعل من الانتحار فعل نجاة.يقول الصحافي اللبناني صهيب أيوب: لكلّ جريمة في بلادنا حجّة وكفن. ولكلّ موت في بلادنا هوية، إلا موت المثليين والمثليات والعابرين والعابرات جندرياً في بلادنا، فهو نجاة. حين نموت في بلادنا ننجو.لقد هزمتنا سارة وغفرت لنا، ولهذا العالم المحكوم بمنظومة اجتماعية قاسية.لكن هل سنكون على مستوى المغفرة، وندافع عن حق «رفاق سارة» في الحياة والاختلاف؟ أشك؟!
سماؤنا حزينة
ليس للإبداع حدود يقف عندها… إنه كالطائر المحلق في الفضاء الرحب… لا يبهر نفسه بل تنبهر به السماء فتتسع كي تسع أحلامه.
أما سماء بلادنا فهي مختلفة عن سماء البلاد المتحضرة حيث تسكب الألوان على أحلام النائمين فيصحون على قوس قزح يقتحم نوافذهم.سماؤنا العربيّة حزينة حزينة.. ملبّدة بغيم الحروب الأسود .. غيومها دخان حرائق تصاعدت بعد أن أحرقت أجنحة شبابها.
في بلادنا سماء كانت زرقاء.. وكانت ،في زمن بعيد غابر، تمطر الحنين.
أما اليوم فتعوم فيها غيمات مشتَّتة تُهبط في الليل وسائد ترقد فوقها الأحلام ولكنها لا تستفيق…ومع ذلك فإن شباننا المقهورين في عالمنا العربي لا يتوقفون عن الإبداع من رحم الألم. يبهروننا بإصرارهم على تحدي الواقع المرير وتحويل الوجع إلى فنون ناطقة.. هكذا تنبت من جراحهم وروداً جورية توعد بربيع مؤجل ولكنه آت. ينفخون في الليل نورهم فتشتعل كل القناديل العتيقة المنسية على أروقة الطرقات.
ولكن هل من أحد يهتم بتطوير إبداعهم وإيصاله للعالم؟إن آخر ما يفكر فيه المسؤولون في بلادنا هو دعم المهارات والاهتمام بالإبداع.
هم منشغلون فقط بعَدّ أرصدتهم في البنوك وبصراعاتهم حول السلطة وكيفية نهب الشعوب. لا يهمهم سوى إقفال أفواه المتظاهرين في الشوارع. ومحاربة كل من يظهر حقيقتهم البغيضة أو يعارض سياستهم أو يسعى لمحاسبتهم.
مصائرنا متشابهة من لبنان إلى سوريا وصولاً إلى العراق واليمن. يقتلوننا يومياً فتشتد أحلامنا حتى وإن كانت لن تتحقق. يكبلوننا بقيود العجز ولكننا نحلق رغماً عنهم بإبداعنا وإصرارنا على الحياة.
إنها قصة فنان عراقيّ تحدى بفنه الواقع المرير الذي يعيشه عالمنا.
إنه «حسين فالح» حلاق يعمل بجهد في محله في مدينة بغداد. يقص شعر الزبائن ولكنه لا يكنس الأرض بل يجمع بقايا الشعر ليحولها إلى لوحات فنيّة مبهرة. هكذا نطقت الأرض الطيبة التي يدوسها. وكلما دخل إليه زبون تكلمت أكثر. ربما تبكي أحياناً لتطهر جروحاً اختبأت في أعماقها.
حسين وببساطة شديدة هو شاب مبدع ابتكر فناً لم يخطر على بال أحد قبله.
تدخل اليوم صالونه ليس لتحلق شعرك بالضرورة وإنما لتقف منذهلاً أمام كم الابداع المنسكب على الأرض.
بدأ حسن مشواره بالرسم على الورق، ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد بل طور نفسه وأراد أن يكون له خط فني يميزه عن الآخرين فلجأ إلى أساليب جديدة جعلت له بصمة مميزة. هكذا استخدم الخضار والفواكه وأوراق الشاي وحبات البن لإخراج لوحات فنيّة رائعة.
اليوم كل ما يحتاجه هذا المبدع هو يد المساعدة لدعمه وتطوير إبداعه.
لقد تواصل مع بعض المسؤولين، حسب ما ورد في موقع «موسوعة العراق»، ولكن لم يحصل على الدعم من أية جهة أو هيئة حكومية أو خاصة.
هل فاجأكم تجاهل هذه الجهات المسؤولة؟
لا أعتقد. فكما سبق وذكرنا هؤلاء يعيشون في عالمهم ونحن لنا عالمنا.
كاتبة لبنانيّة
https://www.alquds.co.uk/%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%ad%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d9%8a-%d9%87%d8%b2%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a7-%d8%a8%d9%80%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%88%d8%ad%d9%84%d8%a7%d9%82/?fbclid=IwAR3pa79XvUj-OyrCZ8d2Q5c8CQAbqOmvfkvFjPcEzYaQ3o7OdpZfSHsGzOY