صورة المرأة في رواية “هناك في شيكاغو” لـ” هناء عبيد “
رواية نجد فيها رائحة السيرة الذاتية، حيث أن الأحداث تم بشكل متسلسل، تبدأ “نسرين” في سرد الأحداث عندما كانت طالبة في الجامعة، وكيف تعرفت على “ثائر” الذي حول السواد والغم إل فرح وبهجة، فتخبنا في بداية الرواية عن مشاعرها: “لا يسير أي شيء في حياتي كما أريد، دوما العوائق تفاجئيني…كثيرة هي الأمور التي تقف عائقا أمام رغباتي، كأنها دوما تستمتع بأن تعكر صفو حياتي” ص9، ورغم هذا الفاتحة المؤلمة للرواية، إلا أن حضور “ثائر” في حياة “سلمين” غير اللغة وجعلها ناعمة ورقيقة: “…شعرت بارتياح في مرافقته إلى أقسام المعرض، …شعرت بسعادة غريبة غلفا قلبي، ربما ابتسامته الهادئة التي تنم عن قلب طيب” ص12، ونجد الأثر الطيب في نفس “نسرين” حتى بعد أن تسافر إلى “شيكاغو” فما أن يأتي حضوره أو ذكراه، حتى ينعكس ذلك على لغتها إيجابيا، ترسل له خطاب جاء فيه: “أكتب إليك ودفء فريب يسيري في مجرى دمي، لا أخفيك يزورني طيفك كل لحظة، اتنمى عندها أن تتوقف عقارب الزمن عن الدوران” ص133، وهذا يؤكد على أن الرجل يثر إيجابيا على المرأة والعكس صحيح.
نسرين الفلسطينية
الساردة تحدثنا عن القدس التي عاشت فيها، إلى أن جاء الاحتلال ومنع اسرتها من العودة إليها، فعندما تتعرف على “مادلين” اليهودية وتخبرنها انبنها الذين يعيش في حيفا: “…أشارت إلى أحدى الصور، وقالت لي:
هذا ابني يدرس في حفيا، كان مستلقيا على الشاطئ وبجانبه فقلب مرسوم على الرمال كتب في منتصف أحبكم” ص106، وهذا جعلها تشعر بقضيتها، بالظلم الذي وقع عليها وعلى شعبها الذي هجر من وطنه: “شعرت حينها بالغيظ، لماذا لا يحق لي الاستلقاء على شواطئ بلادي، وغريب الدار يفترش رمالها؟” ص106، وهنا نجد المفارقة، “مادلين” المولودة في روسيا، يحق لها ولأسرتها العيش في فلسطين والتمتع بها، بينما هي “نسرين” المولودة في القدس لا يحق لها العيش في مدينتها: “ـ رحل والدي لزيارة للزيارة إل الأردن قبل النكسة بقليل، فأوصدوا الأبواب ومنعوهما من الدخول عندما قررا العودة، حاولا الذهاب في منتصف السبعينات بتصريح إلى هناك، وأخذ لم الشمل، في تلك الأوقات، وبعد عشر سنوات من زواج والدي جئت إلى هذه الحياة، فرحا بقدومي لكن، بعدها تم طردنا، ورفضوا لم شملنا” ص107، رغم عدم الخوض في حوار طويل، إلا أن الساردة استطاعت أن توصل فكرة النظام العنصري لدولة الاحتلال، وعرت وكشفت طبيعة هذه الدولة، التي تأتي باليهود من كل انحاء العالم، وتطرد وتمنع أصحاب الأرض والمولودين فيها من دخولها والعيش فيها.
المرأة العربية
بما أن الساردة امرأة، فهي تتحدث بمشاعر وهموم النساء العربيات، اللواتي يعرضن للاضطهاد المجتمع الذكوري، تخبرنا عن “سهاد” رفيقتها في سفرها إلى اميركيا: “عرفت منها أنها عروس جديدة، أصبت بالدهشة حينما أخبرتني أنها في أواخر الأربعين من عمرها، خطوط الزمن على ودهها توحي إلى غير ذلك، تزوجت من رجل موفور الحال، لديه زوجة وأولاد، هكذا خمنت” ص74، فالمرأة الربية ينظر إليها بطريقة دونية، وعليها أن تكون/تقبل أي زوج يقدم لها، ما زام (يسترها).
تخبرنا عن النساء في الغربية وكيف هي مشاعرهن وما يعانين من اغتراب وغربة: “….الحياة الروتينية القاتلة التي يعشنها تجبرهن على ذلك، معظمهن أتين إلى المدينة، ولم يجدن غير أعمال المنزل لممارستها، أرقهن الغربة، البعد عن الأهل حال دون الفضفضة بصعاب الحياة” ص182، وهذا ما يجعل رواية المرأة العربية تختلف في طرحها عن رواية الرجل العربي، ويؤكد على أن أدب النسوة يتباين في مواضيعه وطروحاته عن أدب الرجال.
علاقة الساردة بالنص
قلنا أن الرواية فيها رائحة السيرة الذاتية، بمعنى أننا هناك شيء من ذات الساردة في الرواية، لهذا نجد اللغة المتقاربة بين “نسرين وثائر” حتى بدت احيانا أنهما يتحدثان بصوت وحد: “ـ بينما كنت أجوب بعيني بعيدا عن عينيه وقع نظري على يده اليمنى، لاحظت أنها تفتقد الأصبع الصغير، آلمني المشهد، أخذت نظري بعيدا بسرعة خاطفة حتى لا يلاحظ، لكن يبدو أن ما فعلته كان عبثا، قال وكأنه يجيب على سؤال اعتقد بأنه يدور بخلدي:
ـ فقدتها في أثناء أحدى المظاهرات ضد المحتلين، أصابها رصاصة مطاطية وكان من اللازم بترها” ص 21و22، فهنا الساردة علمية، تعرف حتى ما يجول في نفس “ثائر” وهذا يشير إلى أن هذا الحوار/المشهد جاء بعاطفة وانحياز لثائر، ولما يأتي بحيادية.
الشخصيات
هناك اكثر من شخصية في الرواية، وجميعها كانت تدور حول مركز الأحداث “نسرين” فبعضها شخصيات عربية، “ثائر، أمين، رفيقة، بكر، حسين، فاطمة، فاتن، هاني، حنين، وبعضها كان اجنبيا “انطونيو، خورخي، مادلين، هيما الهندية، ماريا، فرانك لويد” وبما أن هذه الشخصيات بمجملها لم تتحدث مباشرة إليها ـ إذا ما استثنينا ثائر، الذي روى لنا القليل ـ تبقى بقية الشخصيات مسيرة من قبل الساردة “نسرين”.
المكان وأثره
حدثتنا “نسرين” عن اكثر من مكان، القدس، عمان، شيكاغو، ورغم التباعد الجغرافي بين القدس وعمان من جهة، وبين “شيكاغو”، إلا أن فلسينيتها ومدينتها القدس كانت حاضرة، فمن خلال حوارها مع “مادلين” وجدت “نسرين” أن علاقتها بفلسطين بمثابة الام بولدها، فلا تستطيع أن تتجاهله أو تنساه، وما قالته “لمادلين” يؤكد عل هذا الأمر: “أنا أومن بكل ما ينشر عن الحب، لكن هل السلام يعني تشريد شعب من أراضيه؟، هل السلام يعني أن يعيش شعب بكامله في المخيمات محروما من العودة إلى أرضه؟، من منا لا يعشق السلام يا عزيزتي؟ لكن طالما لا توجد عدالة عل الأرض، وطالما يتفشى الظلم بين البشر لا معنى للسلام الحقيقي إذن، هو مجرد كلمات على ورق” ص109، وهنا اشارة ـ غير مباشرة ـ من الساردة، على أن الفلسطيني يبقى منتميا لقضيته ولوطنه ولشعبه، أينما ذهب وحيثما كان.
الرواية من منشورات دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2020
http://www.worldofculture2020.com/?p=11288&fbclid=IwAR3ZQJ7tDcrFridGFbj8SP93QJY2yVp3D2xgMNDs89t4LoP_MIgBtQ0QrDw