بمناسبة نكبة فلسطين
[العَروس مُستوفية الشروط لكنها متزوجة!]
بقلم: حورية عبيدة
في العِقد الأخير من القرن التاسع عشر؛ بعث “ماركس نوردو” أحد كبار قادة الحركة الصهيونية المُقربين لـ”هِرتزل” بحاخامين اثنين؛ ليرفعا تقريرًا إلى المؤتمر الصهيوني؛ عن إمكانية الهجرة إلى فلسطين، وبعد أن عادا؛ كتبا تقريرًا جاء فيه: “إن فلسطين عروسٌ جميل، وهي مُستوفية لجميع الشروط، لكنها متزوجة فعلاً”، أي أن هناك شعبًا يسكنها وليست أرضًا بلا شعب.
هل باع الفلسطينيون أرضهم فعلاً للعصابات الصهيونية، وبالتالي يسقط حقهم في استردادها أو المطالبة بعودة اللاجئين إلى وطنهم؟ ولِمَ يَتحَسس البعض من طرح هذا السؤال الذي يتردد في الصدور؟ وكيف أصبحت قناعةً ودينًا ومذهبًا عند البعض أن صفقات البَيْع تمت لا ريب فيها؟ وهل قَصَّرَ الفلسطينيون أنفسهم في تَجْلية الأمر بشكلٍ سليمٍ وموضوعيٍ؛ ليس للعالم الخارجي فحسب؛ إنما لبَنِي جِلدتهم ودينهم وعروبتهم؟ وما الدور الذي لعبته آلة الإعلام الصهيونية الجهنمية لترسيخ تلك الفكرة الفاجرة في أذهان العالم؟ ولِمَ لا يذهب الكيان الصهيوني إلى المحافل الدولية المتخصصة؛ ويُظهر وثائق البيع ومستنداته وعُقوده وحُجَجه وبراهينه؛ ويُشهِر تَسّيده على الأراضي الفلسطينية حلالاً بيانًا عيانًا جهارًا نهارًا؛ وتنتهي القصة، ولْيَنْس العالَم كله وطنًا اسمه فلسطين، وليذهب الفلسطينيون إلى الجحيم؟!
ركزتْ آلة الدعاية الصهيونية في القرن التاسع عشر؛ على فكرة: “أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض” إشارةً لفلسطين، فإبَّان الدولة العثمانية؛ وتحديدا منذ العام 1886 بدأ صِدام الفلسطينيين مع عصابات يهودية أرادت استيطانًا في بلادنا، ونتيجة لفساد الجهاز الإداري العثماني؛ ودخول الامبراطورية العثمانية مرحلة “رجل أوروبا المريض”؛ عَمَدَ “رشاد باشا” مُتصَرِف القدس -وقتها- إلى مُحاباة الصهاينة، فقام وُجهاء البلدة بتقديم احتجاجات ضده، تليها مُذكرة للصدر الأعظم “رئيس وزراء” الدولة العثمانية، طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود لفلسطين، وتحريم استملاكهم للأراضي فيها، فأصدر السلطان العثماني تعليماته بمقاومة الهجرة والاستيطان الإجرامي، وتَرَأس الشيخ محمد الحسيني مفتي القدس عام 1897 هيئةً للتدقيق في طلبات نقل الملكية، واشترى المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الشيخ أمين الحسيني قرى بأكملها؛ مثل دير عمرو وزينا والطيبة وعتيل والطيرة، وستين قرية من قرى يافا، وأراضي البلطجة شمال شرق فلسطين؛ ليوقف أية عملية بيع.
بعد وعد “بلفور” المشئوم، وحينما وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني منذ عام 1917، توجه اليهود لفلسطين بحماسٍ أكبر؛ فوجدوا أرضاً عامِرة بالحيوية والنشاط، وبشعبٍ كادحِ؛ مُتَجذرٍ راسخٍ في أرضه رسوخ الجبال، فعرفوا أن العروس متزوجة بالفعل، ثم تبين لاحقاً كيف عكفت دولة الاحتلال على تنفيذ المشروع الصهيوني؛ بإنشاء وطنٍ قوميٍ لليهود، فاستثمرت كل صلاحيات المستعمر الغاصِب وأدوات بَطْشه وقَهْره لفرض الواقع الأليم، وجَنَّدت رؤوس أموالٍ ضخمة؛ ودعمت الإرهاب لأجل شراء بعض الأراضي، فبدأت بالإقطاعيين العرب غير الفلسطينيين؛ وهم عائلات مسيحية لبنانية وسورية؛ كانوا يتملكون مساحات فلسطينية، فمنعتهم من العودة لمباشرة أراضيهم باعتبارهم أجانب، بعد أن تم فصل فلسطين عن سوريا ولبنان، طبقًا لاتفاقية “سايكس بيكو” في تقسيم بلاد الشام بين المستعمرين البريطاني والفرنسي.
قامت تلك العائلات ببيع أراضيهم لليهود مضطرين، أمثال عائلات ( كسار وسرسق وحنا وخوري وروك وشمعة والقوتلي والمارديني)، أما الفلسطينيون أنفسهم فقد تم نزع ملكية بعضهم بقوة قانون الاحتلال؛ لعجزهم عن دفع الضرائب التي أثقلت كواهلهم، ونتيجة صلاحيات المندوب السامي “هربرت صموئيل”؛ ذلك البريطاني اليهودي الصهيوني؛ فقد مَنح نحو 200 ألف دونم من أخصب أراضي الدولة على الساحل بين حيفا وقيسارية لليهود، ثم تكررت هِباته الضخمة من الأراضي الساحلية في النقب وساحل البحر الميت. وبحسبة بسيطة؛ فرغم القهر الذي مُورِس على الأسر اللبنانية والسورية ونزع الملكيات عنوة من الأراضي الفلسطينية؛ إلا أن المساحة كلها لم تتعد 1% من أراضي فلسطين، أي 261 ألف دونم من مساحة وطنٍ يصل إلى 270 مليون دونم؛ على مدى نحو 70 سنة من القهر؛ والتشريد؛ والاغتصاب؛ والاستيطان؛ والهجرات الإجرامية الصهيونية المنظمة؛ والتقتيل لشعبنا العربي الشقيق.
خسارتنا الحقيقة لم تكن في الـ 1% من الأراضي التي انتُزعت وبِيعت غَصبا ً-رغم قيام الثوار الفلسطينيين بإعدام كل من خان أو باع ولو قهراً رغم حماية قوات الاحتلال له- بل بدأت فعليا منذ نكبة 1948؛ وقتَ تمكن الكيان الصهيوني الغاصب من احتلال 77% من فلسطيننا العربية الأبية المحتلة، وطرد إخواننا بقوة السلاح من أرضهم، واحتلال باقي الأراضي عقب هزيمة 1967، ثم قيامه بمصادرة البقية الباقية.
فمتى نكُف عن طعن أهلينا هناك بألسنةٍ حِدادٍ في ظهورهم؛ في الوقت الذي يطعنهم عدونا وعدوهم في صدورهم العارية؟ ومتى نفيق من عمليات تزييف الوعي الذي نتعرض له صباح مساء؛ حتى صارت دماؤنا العربية ماءً؟!
رحم الله الشاعر العربي أمل دنقل القائل: “لا تُصالِح.. ولو توجوك بتاج الإمارة.. كيف تخطو على جثة ابن أبيك؟!.. وكيف تصير المليك على أوجه البهحة المُستعارة؟!.. كيف تنظر في يد من صافحوك فلا تُبصِر الدم في كل كل كف؟! إن سهمًا أتاني من الخَلْف سوف يَجيئك من ألْف خَلْف.
#حورية_عبيدة
المقال رابط مصر العربية