جواد العقاد.. شاعر يهيئ نفسه للمستقبل
جواد العقاد شاعر فلسطيني شاب، يعانق كل صباح نسائم بحر غزة فيجدّلها شعراً ويهديها لنفسه، ليغرق أكثر في اللغة اللازوردية، تلك المتكونة من ظلال غيوم وموج خائف يتردد في ممارسة الحب على الشاطئ، حيث كل شيء خاضع للأسئلة والتساؤل. جواد لا يكتب عن الوطن مباشرة، ولا عن معاناته كمُحاصر، لكن القارئ لشعره يلمس هذا من دون أصابع البلاغة، ويراه من دون أعمدة إنارة، ويصله قلقه الوجودي بلا توتّر أو شكوى، ويرقص معه في زار المعنى ليلامس عتبات الصوفية، يقف هناك ليخط مقولاته وينثرها في نصوصه بسلاسة، نصوصه الغنية بالمرجعيات والرموز، ما يجعل قصيدته مثقفة غير هائمة في صور شعرية تجريدية يصعب اصطياد معناها.
جواد شاب يدرس الأدب العربي، لكن تجربته تفوق العمر الزمني، وتتجاوز منهج الأدب العربي التقليدي، لا يتعثّر أبدا في نصه المتماسك، يصوغ جملته الشعرية بعذوبة رغم ألمها ما يشي بعدم تكلّفه في الكتابة. باختصار، أزعم أن المستقبل سيكون لهذا الشاعر المجتهد كثيرا.
هذه نماذج من نصوصه الشعرية التي ربما يكون قد ضمّنها ديوانه (على ذمة عشتار).
(أنور)
تعبٌ أيها الضوءُ
شعر: جواد العقاد
عيني أمُّ الدمعِ
والدمعُ عقوقُ اللغةِ للقلب.
أتعبتني..
أتعبني موتي المُكررُ في القصائد
ووخزةُ الحنين في الذاكرةِ.
أنتَ طعنةٌ في عنقِ النص،
أسئلةُ الروحِ المنهمكةِ في الخرافة
وانصهارُ قلبي في جحيمِ المسافة..
أيها الضوءُ الخافتُ في لغتي
لا تكنْ ظلًا لوجعٍ موغلٍ في جُرحِ المعنى.
***
الغُربةُ فيّ أبدٌ يتناسلُ من أبد
أسكنُ هاجسي
والعدمُ يترك فراغًا في النص
لجرفٍ قادمٍ
سينزفُني
أيُّ جرفٍ هذا يا حبيبتي؟
والقصيدةُ اغترابُ الذات.
***
من يفسرُ كهانةَ الوجعِ في روحي؟
آهٌ يا روحي
يا متعِبة، متعَبة
الجسدُ عبءٌ،
لكن لن تقعي في فِخاحِ الفناء
معًا سنحلق…
أما الجسدُ فمتورطٌ في الغواية
ومقبورٌ فيه الحنين.
***
يلاحقُني شغفٌ
في براري الخيال
وأنا غزالٌ هاربٌ من بلادي
شاعرٌ منفيٌ من بهو البلاغة
ملطخٌ بالدماء
أتسللُ إلى الحقيقة
رافعًا يديّ إلى جدارِ الحُلم.
***
صرعتني المعاني التي لمْ أقلها
أكلتني ذئابُ الفكرة،
وروحي المشتعلةُ بالأسئلة
مسها الحنين.
الشّعرُ قيامتُنا
ونحن آلهةٌ لايؤمنون بخلقِهم
كلما حضرَ قلوبَهم الإيمانُ
رجموه بالشّك.
قلبي ذبيحٌ
يخضبُه الشّعرُ ،
ويروضُه أملٌ كاذب.
يطرقُ بابَه عصفورٌ
قطعَ في صدرهِ خنجرُ الحنين
مسافاتٍ وصحاري،
ولما وردَ القلبَ صارَ الكونُ خلفَه سرابًا
والخنجرُ ذاكرة.
مصرع الوحي
لم يعدْ لي وحيٌ
عشتارُ ماتت
وقصائدي أقفرتْ ..
دمي يا دمي
يتخثرُ في ترابِ القصيد
أسقي اللغةَ ماءَ قلبي
فتنبتُ شقائقُ النعمان كلامًا للآله.
حظّي سيءٌ يا عشتارُ
أبحثُ في الطبيعةِ عن شيءٍ يشبهكِ
فأجد نفسي
عاريًا من الحقيقةِ
وضعيفًا أمامَ التساؤلات.
جرحُك لي عميقٌ عميقْ
لماذا تركتيني لأنيابِ الغابة
وغضب الآلهة؟!
(معراج الموت)
بلادنا صاعدة إلى الله
والأنبياء جميعهم يهمسون
بلادي مقبرةُ الكنانير
مذبحةُ الحمائمِ والشعراء
جنةُ الخفافيش
بلادي صعلوكةٌ بما يكفي
لأكرهَها وأحبَّها في آن.