التشكيلية منال ديب: من رام الله لأمريكا.. لوحاتي تحكي قصة وطن.. حاورتها: حورية عبيدة

بنادق الاحتلال لم تَقوَ على مواجهة ريشتها وألوانها على الجدران 
– تحتفي دومًا بوجوه النساء؛ وتنشر الثقافة العربية بلغة أنثوية عريقة

التشكيلية

تفقّدتْ حُلمها الجميل فلم تجده، فأرادتْ التطهر مِن آلامٍ كونيةٍ جاثمة فوق ظهرها الصغير، ودّت في صغرها اللعب الجميل مع صَدفات الحياة فاعتراها الخوف والألم والغضب والحرمان، أنصتتْ لدعوة روحانية للخشوع والعبادة والتصوف والانصهار، لتفتح للفن نافذة بروحها بأفراحها وأتراحها، وقد قررَت التنفيس عما يعتمل بصدرها مِن مشاعر الثورة والمقاومة لتعزيز وجودها وهويتها..

على الجدران المقدسة مدّت يد البراءة والعفوية؛ قابضةً على هواجسها خوفًا مِن فقدان الحرية والحياة، أمسكتْ بالألوان تستنطق أحلامها، وترسم سِفرًا جماليًا لوطنها؛ كي تخرجه من الظُلمة إلى الوجود الذي توده.

مذ فترة المراهقة وبعد انتهاء الدوام المدرسي قررتْ كل يوم أن تحكي قصة الوطن؛ بعد أن أيقنت أن الرسم عالمها وملاذها، ولأن بنادق الاحتلال الصهيوني البغيض لم تقو على مواجهة الريشة والألوان؛ اُجبرتْ على الهجرة لأمريكا، مصطحبة بالبال “القدس” وجدران “رام الله” ووجه أمها؛ فكانت لوحاتها ناقوس تنبيه وإفاقة ووعي للعالمين بقضيتها بشكل إنساني وبالثقافة العربية، فكان فنها يثير لدى المتلقي أسئلة ليست عن جماليات اللوحة بقدر ما هي عن القضية الفلسطينية.

“المشهد” تحاور “منال ديب” الفنانة التشكيلية الفلسطينية المقيمة بأمريكا مذ عقود؛ والتي مزجت الفن وعلم النفس والخط العربي ووجوه النساء والبياض بشِعر محمود درويش؛ فقالت:  مذ الصغر وانا اُعبِّر عن نفسي بالرسم؛ وفي المراهقة كنتُ أقوم بالرسم على جدران “رام الله” كنوعٍ مِن المقاومة؛ تعرضتُ لمضايقات الاحتلال البغيض، فقد كانت رسوماتي تحمل معاني الغضب وتحدي الواقع، وبعد حصولي على شهادة الثانوية العامة هاجرتُ لأمريكا، فدرَستُ الفن التشكيلي؛ ومِن ثَمّ عِلم النفس لإيماني بأهمية العلاج بالفن، أقمتُ العديد مِن المعارض المتنقلة في مختلف دول العالم، وشاركتُ في المعارض الدولية بمقر الأمم المتحدة بنيويورك..

*كيف تأثّر فنكِ بهجرتك لأمريكا؟

– الفن ملجئي الوحيد في الغربة، ولوحاتي هي الوطن الذي أحمله معي، هي وجه أمي، لغتي العربية التي تلف الوجوه الأنثوية بشالٍ مِن العزة والثقة والاستمرار للحفاظ على الهوية الفلسطينية، كل لوحة تحمل قصة وحكاية، تروي الصعوبات والتحديات التي تواجهها الأنثى في الغربة بصوت عتيق عريق.

*وماذا أضافت لوحاتك للقضية الفلسطينية؟

– من خلال تجربتي في المعارض أرى تجاوبًا ملحوظًا؛ فكل شيء غريب يجذب المشاهد، والكثير من الأجانب يعرفون في لوحاتي أنها لغة عربية وقضية فلسطينية رغم عدم فهمهم لما هو مكتوب إلاّ أنها تنال إعجابهم، وهناك الكثير من الأسئلة يسألونها يطمعون من خلالها فهم الثقافة العربية؛ وكَم هي قضية فلسطين إنسانية الجذور..

الفنان الفلسطيني يترجم أحاسيسه المركبه في توعية العالَم بطبيعة الظلم والمعاناه التي نعيشها بلا وطن وتحت إحتلال، ولي تجارب كثيره جعلت غير الفلسطيني يفتح قلبه للرسائل المستوحاه مِن أعمالي الفنية، وهذا لا يمنع  أنّي اُقابل انتقادات سياسية ودينية.

*علاقة دراستكِ لعلم النفْس بالفن وكيف استطعتِ مزجهما؟

– الرسم بالنسبة لي حالة خشوع وعبادة وتصوّف وانصهار، لا أعتبر العمل الفني مبدعًا إذا لم يأتِ وِفقًا لكل هذه المشاعر مجتمعة معًا، الرّسم والإبداع يشبهان إلى حدّ كبير مشاعر الأمومة والحُب، مشاعر تأتي مع لحظات الولادة، والفن كذلك يأتي مع رحلة طويلة من المخاض والعذاب والألم يمر بها الفنان؛ وتتبلور في نفسه حتى يخلق بهاءً ورونقًا بأعماله، ودراستي لعلم النفس وممارستي للفن أضافتا علامات ملونة على سيكولوجيتي وسيكولوجية المشاهد للوحاتي، فقد بدأ الفن لي كعلاج نفسي بخصوصيته المتمثلة لي شخصيًا، ثم بدأ التفرع لجميع أطياف المجتمع.

أرى الفن قصائد تحملها الألوان؛ تنقذ الإنسان مِن الاختناق والضياع والهلاك، فتكون كاليد الخضراء المنقذة، دعوة روحانية إلى المحبة والاتحاد العقائدي في خضم انعدام الثقة والتفاهم بين الوطن العربي والغرب؛ وبين الأديان السماوية الثلاث لتسليط الضوء على القواعد المشتركة ومحبة الانسان لأخيه الانسان كما وُلد في الطفولة.

* لوحاتك يغلب عليها تمازج الوجوه والكلمات واللون الأبيض والشِّعر.. هل هذا أسلوبك الدائم والوحيد؟

– إلى جانب الفن التشكيلي أمارس فن الديجيتال، كما أعشق الشّعر؛ وأواظب على قراءته منذ الطفولة، ومن خلاله ألمس الحنين لكل شيء في بلادي، الشعر يعطيني الكثير مِن الثراء  ودفقات مِن الغواء العاطفي والفكري والوطني.. فأنا اقرأ الشّعر أولاً – خاصة محمود درويش – ثم أبدأ في تنفيذ لوحاتي التي تحتفي بالإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، والوجوه تستهويني في أكثر أعمالي خاصة الوجه الأنثوي؛ ربما تحيزًا للمرأة أو شوقًا لوجه أمي لأنّي أعيش الغربة؛ وأُحب أن أرى انعكاس وجهي والحروب مبعثرة أمام هذه الوجوه التي تكون في تناغم مع حالتي النفسية التي أعيش.
———————–
حوار: حورية عبيدة

صحيفة المشهد

تعليق واحد

أضف تعليقا ←

  1. حورية عبيدة قال:

    كل التقدير أديبنا العربي الكبير

اترك تعليقاً