اللجوء الفلسطيني كان ضرورة أم خيارا؟ بقلم أنور الخطيب

اللجوء الفلسطيني كان ضرورة أم خيارا؟ بقلم أنور الخطيب

اللجوء الفلسطيني كان ضرورة أم خيارا؟

بقلم: أنور الخطيب

اللاجؤون الفلسطينيون حالة فريدة في تاريخ الشعوب النازحة، مرت أكثر من واحد وسبعين عاما على طردهم من بلادهم، بعد النكبة مباشرة أُسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعلى الفور أيضا صدر قرار من جامعة الدول العربية يقضي بأن يُعامل اللاجئ الفلسطيني في أي بلد عربي معاملة مواطن هذا البلد، البلدان الوحيدان اللذان التزما بالقرار كانا المملكة الأردنية الهاشمية، والجمهورية العربية السوريا، الأردن قدم تسهيلات كثيرة وكبيرة حتى جعل من جزء كبير من الفلسطينيين مواطنين لديه، بحجة التداخل التاريخي والجغرافي، فحصل عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الجنسية الأردنية (الآن يُعدون بمئات الآلاف)، والباقي حصل على جواز سفر أردني يُجدد سنويا، ولم يقم الأردن بإصدار وثائق لللاجئين كما فعلت لبنان وسوريا ومصر والعراق. البلد الثاني الذي طبق قرار جامعة الدول العربية كان سوريا، قدمت تسهيلات كثيرة من بينها العمل والتعليم والعلاج والتملك، ولم تمنح اللاجئ الجنسية، وإنصافا للحق فقد كانت معاملة العراق في أثناء حكم الرئيس الراحل صدام حسين، معاملة كريمة، منحهم بيوتا ووظائف وأحيانا رواتب شهرية ولم يمنحهم الجنسية، باقي الدول مثل لبنان ومصر لم تعترفا بالقرار، وحرمتا الفلسطيني من العمل، وفي لبنان، وفي عهد رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُنع الفلسطيني أيضا من امتلاك بيت، وطالب المغتربين منهم الحصول على تأشيرة لدخول لبنان، تم إلغاء هذا الإجراء لاحقا وبقي التملك ممنوعا.

يبدو أن الأمم المتحدة كانت تعلم أن لجوء الفلسطيني سيطول، لهذا أسست (الأونروا) على الفور وشرعت في تقديم الخيام التي تحولت على مر الزمن إلى بيوت زينكو ثم طينية ثم إلى بيوت عادية، والآن تحولت المخيمات إلى أشبه بالمدن، إذ قررت الأونروا منذ سنوات طويلة بأنها لا تريد أن ترى سقف زينكو واحدا في المخيم، ونجحت، لكن التخلّف ظل قائما في بنيتها التحتية، وخلع أسقف الزينكو وبناء البيوت بالإسمنت دليل على تعزيز استقرار اللاجئين وتحسين إقامتهم لإطالة بقائهم في المنفى أكبر مدة ممكنة.

” هل كان قادة الشعب الفلسطيني، لاسيّما قادة التنظيمات والفصائل يعلمون أن اللجوء سيطول؟ 

الأمم المتحدة كانت تعلم أن اللجوء سيطول، ولهذا استمر دعم (الأونروا) حتى اليوم، وتشكل الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأكبر للوكالة، ولا ندري إن كانت جامعة الدول العربية تعلم، أو كانت المملكة الأردنية الهاشمية تعلم، أو حتى سوريا والعراق، وهذا لا يعني أن الدول التي لم تطبق قرار جامعة الدول العربية مثل مصر ولبنان كانتا تجهلان، رغم أن تسهيل حياة الفلسطيني أو التضييق عليه لا يدل على معرفة أو جهل بإطالة اللجوء، وهنا نسأل سؤالا محفوفا بالمخاطر، هل كان قادة الشعب الفلسطيني، لاسيّما قادة التنظيمات والفصائل يعلمون أن اللجوء سيطول؟ إن ما نعلمه أنهم أسسوا تنظيمات وفصائل واستقطبوا الشباب الفلسطيني وجنّدوهم وسلّحوهم، وخاضوا حروبا شرسة في الأردن أدت إلى إخراجهم منه، ثم شنت عليهم القوى اللبنانية الرافضة لوجودهم في لبنان حرب إبادة بحجة منع توطينهم، وشن عليهم الجيش الإسرائيلي حربا أخرجتهم من لبنان، حيث تشرد المقاتلون في دول عربية غير مواجهة مثل الجزائر وتونس واليمن، وكادوا أن يصطدموا بمجتمعات تلك الدول لولا أن القائد الراحل ياسر عرفات وقع اتفاقية أوسلوا وعاد بآلاف المقاتلين بسلاحهم الفردي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ويمكننا أن نبرر بسذاجة أن هذه الأحداث منعت المقاتلين الفلسطينيين من محاربة الكيان الصهيوني، ولن ندخل هنا في تفاصيل عدد العمليات التي خاضتها الفصائل من الأردن أو لبنان أو سوريا ضد الكيان الصهيوني، ما يهمنا هنا أن أوضاع اللاجئين ازدادت سوءًا من النواحي الاقتصادية والتعليمية والصحية والتنظيمية والوطنية، لاسيّما في لبنان، ولا تزال المخيمات موجودة في لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، ولا تزال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تعمل، ولا يزال الدعم يأتي من أمريكا، وإن تراجع في الفترة الأخيرة، لتعوضه بعض دول الخليج مثل الكويت والإمارات والسعودية.

هل المحافظة على اللجوء الفلسطيني من قبل وكالة الأونروا، وقبلها منظمة الأمم المتحدة، ومعهم الدول التي لجأوا إليها وبعد ذلك السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله وقطاع غزة، هل كانت ضرورة أم خيارا؟

من غير المعقول أن جميع المذكورين لم يتمكنوا من حل قضية اللاجئين، خاصة أن أعدادهم كانت قليلة وقت النكبة قياساً إلى حجمهم الآن، كان بإمكان الأمم المتحدة تطبيق القرار 194 بالقوة في العام 1949 بدلا من إنشاء وكالة الأونروا وصرف مليارات الدولارات، وكان من الممكن أن تجتهد جامعة الدول العربية وتصر على عودة اللاجئين وتجنّب الفشل الذي أصابها على مدى سبعين عاماً ومنع المذابح التي ارتُكبت بحقهم في بيروت وعمّان وغيرهما، وكان من الممكن أيضا أن تتجنّب الفصائل الصدامات المسلحة مع الجيش الأردني والميليشيات اللبنانية والجيش السوري وتوفّر أرواح آلاف المقاتلين، وأن تنتهج إستراتيجية أشد وأكثر جدوى من الاستعراضات المسلحة والتنقل بين عواصم العالم لشرح القضية الفلسطينية، وأن تعود إلى أي شبر من فلسطين عودة الفاتحين وليس المستسلمين، فليس اتفاق أوسلو سوى اتفاقية استسلام رديئة.

 إذا كان الحفاظ على اللجوء الفلسطيني خياراً من قبل الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الأونروا، ومن قبل جامعة الدول العربية، ومن قبل اتفاقية أوسلو، فهذا يعني أن اللاجئين الفلسطينيين مستهدفين بالتصفية البطيئة والموت التدريجي 

نعود فنسأل: هل الحفاظ على اللجوء الفلسطيني كان ضرورة أم خيارا؟ إن كان ضرورة فهذا يعني أن الفشل كان حليف كل من له علاقة بقضية اللاجئين؛ نوع من الاستسلام لإرادة قوة عاتية موّلت وكالة الأونروا وفرضت على الدول العربية المضيفة استقبال اللاجئين، وأجبرت جامعة الدول العربية لإصدار قرار يحقق المساواة بين المواطن واللاجئ في الحياة باستثناء العمل السياسي، ولعبت دوراً في الصدام العسكري في لبنان والأردن، كما فرضت توقيع اتفاقية مهينة للفلسطينيين، اتفاقية أوسلو، التي تركت قضية اللاجئين إلى المفاوضات النهائية، وهذا يعني القضاء عليها. أما إذا كان الحفاظ على اللجوء الفلسطيني خياراً من قبل الأمم المتحدة ممثلة بوكالة الأونروا، ومن قبل جامعة الدول العربية، ومن قبل اتفاقية أوسلو، فهذا يعني أن اللاجئين الفلسطينيين مستهدفين بالتصفية البطيئة والموت التدريجي، وأن المذابح تم ارتكابها عن سابق إصرار، والاقتتالات والصدامات كانت تهدف إلى تصفية قضية اللاجئين وليس منعهم من التوطين ومنافسة المواطن العربي في عيشه، وتقاسم السلطة مع الأنظمة. وأن الواقع الذي يعيشونه الآن تم التخطيط له في الغرف المظلمة، والواقع هو: توطين اللاجئين في الأردن، تدجينهم في سوريا، وقتلهم في لبنان، وتجاهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أي الخطة هي تصفية مادية ومعنوية للاجئين الفلسطينيين ببطء شديد، بحيث لا تثير حفيظة أحد.

لقد حقق المخططون نسبة كبيرة من أهدافهم المادية والمعنوية، ومنعاً لتحقيق ما تبقى من نسبة، على اللاجئين الفلسطينيين الاستيقاظ والتمرد على كل الأطراف المشاركة في إبقاء قضية اللجوء، إن كان الإبقاء خياراً أو ضرورة، على أن تأخذ اليقظة والتمرد أساليب ومناهج تؤسس من جديد لوعي وطني يعيد للروح المعنوية الفلسطينية تألقها، وتكون المخيمات الفلسطينية وخاصة في لبنان وفلسطين ساحة اليقظة والتمرد عبر تنظيم دقيق ومتقن، وذلك قبل أن يبدأ تنفيذ الخطط الرامية إلى إبادتهم أو تهجيرهم، أو تخديرهم لسبعين عاما أخرى.

صحيفة اليوم الثامن/ فلسطين

https://alyoum8th.net/News.php?id=650

اترك تعليقاً